وجب استئصالهم ثم قال «وَ لَو جَعَلناهُ مَلَكاً لَجَعَلناهُ» في صورة رجل، لان أبصار البشر لا تقدر علي النظر الي صورة ملك علي هيئته للطف الملك و قلة شعاع أبصارنا و كذلك کان جبرائيل (ع) يأتي النبي (ص) في صورة دحية الكلبي، و كذلك الملائكة الّذين دخلوا علي ابراهيم في صورة الأضياف حتي قدم اليهم عجلا جسدا، لأنه لم يعلم أنهم ملائكة، و كذلك لما تسور المحراب علي داود الملكان كانا في صورة رجلين يختصمان اليه. و قال بعضهم: المعني لو جعلنا مع النبي ملكا يشهد بتصديقه (لَجَعَلناهُ رَجُلًا) و الاول أصح.
و قوله «وَ لَلَبَسنا عَلَيهِم ما يَلبِسُونَ» يقال: لبست الامر علي القوم ألبسه إذا شبهته عليه، و لبست الثوب البسه، و کان رؤساء الكفار يلبسون علي ضعفائهم أمر النبي (ع)، فيقولون: هو بشر مثلكم، فقال اللّه تعالي «وَ لَو أَنزَلنا مَلَكاً» فرأوا الملك رجلا و لم يعلمهم أنه ملك لكان يلحقهم من اللبس ما يلحق ضعفائهم منهم. و اللبوس ما يلبس من الثياب و اللباس ألذي قد لبس و استعمل.
فان قيل: قوله: انه لو جعل الملك رجلا للبس عليهم يدل علي أن له أن يلبس بالإضلال و التلبيس!
قلنا: ليس ذلک في ظاهره، لأنه لم يخبر أنه لبس عليهم و انما قال لو جعلته ملكا للبست و لم يجعله ملكا فإذاً ما لبس، کما قال تعالي «لَو أَرادَ اللّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصطَفي مِمّا يَخلُقُ ما يَشاءُ»[1] و ليس يجوز عليه اتخاذ الولد و لا الاصطفاء له بحال، فسقط ما قالوه.
وَ لَقَدِ استُهزِئَ بِرُسُلٍ مِن قَبلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُم ما كانُوا بِهِ يَستَهزِؤُنَ (10)
آية بلا خلاف.