في هذه الآية إخبار من اللّه تعالي عما فعل المستكبرون من قوم صالح و أنهم عقروا الناقة الّتي هي آية اللّه في الإرض، و العقر الجرح ألذي يأتي علي أصل النفس، و هو من عقر الحوض و هو أصله، قال الشاعر:
بإزاء الحوض أو عقره[1]
و منه العقار، لأنه اعتقار أصل مال، لأن ثبوته كثبوت الأصل. و منه العاقر، لأنها قد حدث ما عقر الحال الّتي يجيء منها الولد فأبطل الأصل، و المعاقرة علي الشراب منه، لأنه كالأصل في الثبوت علي تلك الحال.
و قوله «وَ عَتَوا عَن أَمرِ رَبِّهِم» أي تجاوزوا الحد في الفساد. و قيل:
العتوُّ الغلو في الباطل- في قول مجاهد- و منه جبار عاتٍ، و العاتي في الكبر و منه «وَ قَد بَلَغتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا»[2] أي بلغت حال العاتي كبراً، و العتو عن الأمر هو المخالفة إلا أن في العتو مخالفة علي وجه التهاون به و الاستكبار عن قبوله.
و قوله «يا صالِحُ ائتِنا» إن وصلته همزته، و ان ابتدأته لم تهمز بل تقول: (ايتنا) و انما کان كذلك، لأن أصله (ائتنا) بهمزتين، فكره ذلک فقلبوا الثانية ياء علي ما قبلها، فإذا وصل سقطت ألف الوصل و ظهرت همزة الأصل.
و قوله «بِما تَعِدُنا» فالوعد الخبر بخير أو شرّ بقرينة في الشر.
و قوله «ائتِنا بِما تَعِدُنا» أي من الشر، لأنا قد علمنا ما توعدتنا عليه فأت الآن بالعذاب ألذي خوَّفتنا منه، و متي تجرَّد عن قرينة، فهو بالخير أحق للفصل بين الوعد و الوعيد.
فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحُوا فِي دارِهِم جاثِمِينَ (78) فَتَوَلّي عَنهُم وَ قالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحتُ لَكُم وَ لكِن لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ (79)