و الحسن و مجاهد و السدي- فسمي الجزاء علي تركهم طاعة اللّه نسياناً، کما قال «وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُها»[1] و الجزاء ليس سيئة.
الثاني- أنه يعاملهم معاملة المنسيين في النار، لأنه لإيجاب لهم دعوة، و لا يرحم لهم عبرة- في قول الجبائي- «كَما نَسُوا لِقاءَ يَومِهِم» معناه کما تركوا الاستعداد للقاء يومهم، هذا علي القول الاول. و علي الثاني- کما نسوا في أنهم لم يعملوا به مثل الناسين لذلك لا نجيب لهم دعوة، لأنهم نسوا.
و قوله «وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجحَدُونَ» فالجحد إنكار معني الخبر. و اما إنكار المنكر، فبكل ما يصرف عن فعله الي تركه. و (ما) في الموضعين مع ما بعدها بمنزلة المصدر، و التقدير كنسيانهم لقاء يومهم هذا، و كونهم جاحدين لآياتنا.
وَ لَقَد جِئناهُم بِكِتابٍ فَصَّلناهُ عَلي عِلمٍ هُديً وَ رَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ (52)
آية بلا خلاف.
هذا إخبار من اللّه تعالي أنه أتي هؤلاء الكفار بكتاب، و المجيء نقل الشيء الي حضرة المذكور، جئته بكذا ضد ذهبت به عنه، لان ذلک نقل اليه، و هذا نقل عنه. و الكتاب المراد به القرآن. و أصل الكتاب صحيفة فيها كتابة، و الكتابة حروف مسطورة تدل بتأليفها علي معان مفهومة.
و قوله «فَصَّلناهُ» معناه ميزنا معانيه علي وجه يزول معه اللبس، و التفصيل و التبيين و التقسيم نظائر.
و قوله «عَلي عِلمٍ» معناه فصلناه، و نحن عالمون به، لأنه لما كانت صفة (عالم) مأخوذة من العلم جاز أن يذكر ليدل به علي العالم، کما أن الوجود في صفة الموجود كذلك.