المطعم و المشرب و الملبس الي ما فيه الحياة.
اخبر اللّه تعالي علي وجه الامتنان علي خلقه بأصناف نعمه انه مكن عباده في الإرض بمعني مكنهم من التصرف فيها، و التمكين إعطاء ما يصح معه الفعل مع ارتفاع المنع، لان الفعل کما يحتاج الي القدرة فقد يحتاج الي آلة و الي سبب، کما يحتاج الي رفع المنع، فالتمكين عبارة عن حصول جميع ذلک.
و الإرض هذه الإرض المعروفة، و في الأصل عبارة عن قرار يمكن أن يتصرف عليه الحيوان، فعلي هذا لو خلق مثلها، لكانت أرضا حقيقة.
و قوله «وَ جَعَلنا لَكُم فِيها مَعايِشَ» فالجعل وجود ما به يکون الشيء علي خلاف ما کان، مثل ان تقول جعلت الساكن متحركا، لأنك فعلت فيه الحركة، و نظيره التصيير و العمل،. و جعل الشيء أعم من حدوثه، لأنه قد يکون بحدوث غيره فيه مما يتغير به.
و قوله «قَلِيلًا ما تَشكُرُونَ» نصب قليلا ب (تشكرون)، و تقديره تشكرون قليلا. و (ما) زائدة. و يحتمل ان تكون مع ما بعدها بمنزلة المصدر، و تقديره قليلا شكركم. و الشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم، و الحمد مثله. و قيل: الفرق بينهما ان کل شكر حمد، و ليس کل حمد شكرا، لان الإنسان يحمد علي إحسانه الي نفسه، و لا يشكر عليه، کما انه يذم علي إساءته الي نفسه، و لا يجوز ان يكفر من اجل إساءته الي نفسه.
وَ لَقَد خَلَقناكُم ثُمَّ صَوَّرناكُم ثُمَّ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبلِيسَ لَم يَكُن مِنَ السّاجِدِينَ (11)
آية بلا خلاف.
هذا خطاب من اللّه تعالي لخلقه بأنه خلقهم. و الخلق هو احداث الشيء علي تقدير تقتضيه الحكمة، لا زيادة علي ما تقتضيه، فيخرج الي الإسراف،