و من نصب «وَ لا نُكَذِّبَ و نَكُونَ» جعلهما جميعا داخلين في التمني کما أن من رفع و عطفه علي التمني کان كذلك. فان قيل: كيف يجوز أن يتمنوا الرد الي الدنيا و قد علموا عند ذلک انهم لا يردون!
قيل عن ذلک أجوبة:
أحدها- قال البلخي: إنا لا نعلم أن أهل الآخرة يعرفون جميع أحكام الآخرة، و انما نقول: انهم يعرفون اللّه بصفاته معرفة لا يتخالجهم فيها الشك لما يشاهدونه من الآيات و العلامات الملجئة لهم الي المعارف. و أما التوجع و التأوه و التمني للخلاص و الدعاء بالفرج يجوز أن يقع منهم و أن تدعوهم أنفسهم اليه. و قال ابو علي الجبائي و الزجاج: يجوز أن يقع منهم التمني للرد، و لان يكونوا من المؤمنين، و لا مانع منه. و قال آخرون: التمني قد يجوز لما يعلم انه لا يکون ألا تري أن المتمني يتمني أن لا يکون فعل ما قد فعله و مضي وقته، و هذا لا حيلة فيه، فعلي هذا قوله في الآية الثانية «وَ إِنَّهُم لَكاذِبُونَ» يکون حكاية حال منهم في دار الدنيا، کما قال: «وَ كَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ»[1] و کما قال «وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحكُمُ بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ»[2] و انما هو حكاية للحالة الآتية.
و قوله «وَ لَو تَري إِذ وُقِفُوا عَلَي النّارِ» أمال في الموضعين ابو عمرو و غيره و هي حسنة في أمثال ذلک، لان الراء بعده الالف مكسورة و هو حرف كأنه مكرر في اللسان فصارت الكسرة فيه كالكسرتين، فحسن لذلك الامالة. و قوله «إذ وقفوا» يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها- أن يکون عاينوها و وردوها قبل أن يدخلوها. و يجوز أن يكونوا أقيموا عليها نفسها.
و الثاني- أن يكونوا عليها و هي تحتهم.
و ثالثها- أن يکون معناه دخلوها فعرفوا مقدار عذابها کما يقول القائل: