الثاني- قال البلخي سيحفظ ما قالوا حتي يجازوا به أي هو بمنزلة ما قد كتب في أنه لا يضيع منه شيء. و الأولي أظهر. و قوله: (ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ) يعني المحرق، و الفائدة فيه ان يعلم أنه عذاب بالنار الّتي تحرق، و هي الملتهبة، لأن ما لم يلتهب لا يسمي حريقاً، و قد يکون العذاب بغير النار. و قوله: «ذُوقُوا» يفيد أنكم لا تتخلصون من ذلک کما يقول القائل: ذق هذا البلاء يعني انك لست بناج منه.
ذلِكَ بِما قَدَّمَت أَيدِيكُم وَ أَنَّ اللّهَ لَيسَ بِظَلاّمٍ لِلعَبِيدِ (182)
آية
قوله: «ذلک» اشارة إلي ما تقدم ذكره من قوله: «وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ. ذلِكَ بِما قَدَّمَت أَيدِيكُم» و معناه بما جنيتموه علي أنفسكم، فان اللّه لا يظلم أحداً من عبيده، و لا يبخسهم حقهم.
و فيها دلالة علي بطلان مذهب المجبرة، لأنها تدل علي أنه لو وقع العقاب من غير جرم سلف من العبد، لكان ظلماً و ذلک بخلاف ما يذهبون إليه من أن اللّه تعالي يعذب الأطفال من غير جرم. فان قيل: لم نفي كثرة الظلم علي وجه لا يدخل فيه القليل، و هلا نفي علي وجه العموم كقوله: «لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّةٍ»[1] و كقوله: «لا يَظلِمُ النّاسَ شَيئاً»[2] و قوله: «وَ لا يُظلَمُونَ فَتِيلًا»[3] و «نقيرا»! قيل: لأنه خرج مخرج الجواب لمن توهم مذهب المجبرة فدل علي أنه لو کان علي ما يذهبون إليه، لكان ظلاماً للعبيد، و ما هو بظلام لهم. فان قيل: لم