و أصل الدرجة الرتبة، فمنه الدرج، لأنه يطوي رتبة بعد رتبة يقال:
أدرجه إدراجاً. و الدرجان مشي الصبي لتقارب الرتب، درج يدرج درجاً و درجاناً.
و الدرج معروف. و الترقي في العلم درجة بعد درجة أي منزلة بعد منزلة كالدرجة المعروفة. فان قيل هلاكا القرآن كله حقيقة، و لم يكن فيه شيء من المجاز، فان الحقيقة أحسن من المجاز! قلنا: ليس الأمر علي ذلک فان المجاز في موضعه أولي، و أحسن من الحقيقة لما فيه من الإيجاز من غير إخلال بمعني، و هي المبالغة بالاستعارة الّتي لا تنوب منابها الحقيقة، لأن قولهم إذ هو الشمس ضياء أبلغ في النفوس من قولهم هو كالشمس ضياء، كذلك الجزاء بالجزاء أحسن من الجزاء بالابتداء، لأنه أدل علي تقابل المعني بتقابل اللفظ، فكذلك «هُم دَرَجاتٌ» أولي و أبلغ من هم أهل درجات، للإيجاز من غير إخلال.
لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَي المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُوا عَلَيهِم آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِم وَ يُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَ الحِكمَةَ وَ إِن كانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)
قوله: «لَقَد مَنَّ اللّهُ» معناه أنعم الله. و أصل المن القطع. منه يمنه مناً:
إذا قطعة. «و لَهُم أَجرٌ غَيرُ مَمنُونٍ»[1] أي غير مقطوع. و المن النعمة، لأنه يقطع بها عن البلية. و يقول القائل: من علي بكذا أي استنقذني به مما أنه فيه.
و المن تكدير النعمة، لأنه قطع لها عن وجوب الشكر عليها. و المنة القوة، لأنه