(أولئك) اشارة إلي المنافقين الّذين تقدم وصفهم، و إنما قال: يعلم ما في قلوبهم و إن کان معلوماً ذلک بدلالة العقل لأمرين:
أحدهما- تأكيداً لما علمناه.
و الثاني- انه يفيد أنه لا يغني عنهم كتمان ما يضمرونه شيئاً من العقاب، لأن اللّه يعلم ما في قلوبهم من النفاق. و كذلك کل ما ذكره اللّه مما هو معلوم عند المخاطب. إنما الفائدة في مقارنته بما ليس بمعلوم علي جهة الاحتجاج به، أو غيره من الوجوه. و قوله: «فَأَعرِض عَنهُم وَ عِظهُم» جمع بين معني الاعراض و الإقبال.
و قيل في معناه ثلاثة أوجه.
أحدها- فاعرض عنهم بعداوتك لهم، وعظهم.
الثاني- فاعرض عن عقابهم وعظهم.
الثالث- قال الجبائي: أعرض عن قبول الاعتذار منهم. و قوله: «وَ قُل لَهُم فِي أَنفُسِهِم قَولًا بَلِيغاً» قال الحسن: القول البليغ ألذي أمر به في الآية أن يقول: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم، فهذا يبلغ من نفوسهم کل مبلغ. و قال الجبائي: خوفهم بمكاره تنزل بهم في أنفسهم إن عادوا لمثل ما فعلوه. و يجوز أن يکون المراد ازجرهم عما هم عليه بأبلغ الزجر.
و أصل البلاغة البلوغ، تقول: بلغ الرجل بالقول يبلغ بلاغة، فهو بليغ:
إذا کان بعبارته يبلغ كثير ما في قبله. و يقال: أحمق بليغ، و بلغ و معناه. أنه أحمق يبلغ حيث يريد. و قيل: معناه قد بلغ في الحماقة. و في الآية دلالة علي فضل البلاغة، و أنها أحد أقسام الحكمة، لما فيها من بلوغ المعني ألذي يحتاج إلي التفسير باللفظ الوجيز مع حسن الترتيب.