و هكذا يتعقب الواحد الآخر قال: و يحتمل أن يخلق اللّه لهم جلداً لا يألم يعذبهم فيه، کما يعذبهم في سرابيل القطران.
فان قيل: كيف قال: «لِيَذُوقُوا العَذابَ» مع أنه دائم لازم! قيل: لأن احساسهم في کل حال كاحساس الذائق في تجدد الوجدان من غير نقصان، لأن من استمر علي الأكل، لا يجد الطعم، کما يجد الطعم من يذوقه. و قوله: «إِنَّ اللّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً» معناه أنه قادر قاهر لا يمتنع عليه انجاز ما توعد به أو وعد، و حكيم في فعله لا يخلف وعيده، و لا يفعل إلا قدر المستحق به فينبغي للعاقل أن يتدبره، و يکون حذره منه علي حسب علمه به و لا يغترّ بطول الامهال، و السلامة من تعجيل العقوبة.
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدخِلُهُم جَنّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُم فِيها أَزواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ نُدخِلُهُم ظِلاًّ ظَلِيلاً (57)
- آية بلا خلاف-.
لما ذكر اللّه تعالي في الآية الأولي ما توعد به الكفار و الجاحدين لآياته تعالي، وعد في هذه الآية المصدقين به تعالي، و العاملين الأعمال الصالحات، و هي الحسنات الّتي هي طاعات اللّه، و صالح يجري علي وجهين:
أحدهما- علي من يعمل الطاعة.
الثاني- علي نفس العمل و يقال: رجل صالح، و معناه ذو عمل صالح، و يقال:
عمل صالح، فيجري عليه الوصف بأنه صالح. وعدهم بأن سيدخلهم جنات و هي جمع جنة و هي البستان الّتي يجنها الشجر «تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهارُ» و فيه محذوف، لأن التقدير تجري من تحتها مياه الأنهار، لأن الماء هو الجاري دون الأنهار