قال الفراء: المحذوف (من) و التقدير: من الّذين هادوا من يحرفون الكلم کما يقولون: منا يقول ذاك و منا لا يقوله، قال: و العرب تضمر (من) في مبتدأ الكلام بمن، لأن من بعض لما هي منه، کما قال: «وَ ما مِنّا إِلّا لَهُ مَقامٌ مَعلُومٌ»[1] و قال: «وَ إِن مِنكُم إِلّا وارِدُها»[2] و أنشد بيت ذي الرمة ألذي قدمناه، قال: و لا يجوز إضمار (من) في شيء من الصفات علي هذا المعني إلا في من لما قلناه، و ضعف البيت ألذي أنشدناه: (لو قلت ما في قومها لم تيثم) و هي لغة هوازن، و تأثم رواية أخري. و قال انما جاز (في) لأنك تجد (في) تضارع معني (من) لأنه بعض ما أضيف، لأنك تقول: فينا الصالحون و فينادون ذلک، كأنك قلت: منا، و لا يجوز: في الدار يقول ذلک، و تريد: من يقول ذاك، لأنه إنما يجوز إذا أضفت (في) إلي جنس المتروك. و قال أبو العباس، و الزجاج ما قاله الفراء لا يجوز، لأن (من) تحتاج إلي صلة أو صفة تقوم مقام الصلة، فلا يحسن حذف الموصول مع بقاء الصلة، کما لا يحسن حذف بعض الكلمة، و إنما قال:
«مِنَ الَّذِينَ هادُوا» لأنه ليس جميع اليهود حرفوا، و إنما حرف أحبارهم و علماؤهم.
و قوله: «يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ» يعني يغيرونها عن تأويلها، و الكلم جمع كلمة. و قال مجاهد: يعني بالكلم التوراة.
و قوله: «سَمِعنا وَ عَصَينا» يعني اليهود يقولون: سمعناه قولك يا محمّد، و يقولون سراً عصينا.
و قوله: «وَ اسمَع غَيرَ مُسمَعٍ» اخبار من اللّه تعالي عن اليهود الّذين كانوا حوالي المدينة في عصره، لأنهم كانوا يسبون رسول اللّه (ص) و يؤذونه بالقبيح من القول، و يقولون له: اسمع منا غير مسمع، کما يقول القائل لغيره إذا سبه بالقبيح:
اسمع لا أسمعك اللّه، ذكره إبن عباس، و إبن زيد. و قال مجاهد، و الحسن: ان تأويل ذلک اسمع غير مقبول منك، أي غير مجاب.