يأكله علي وجه الاستحقاق، بأن يأخذ منه أجرة المثل، علي ما قلناه. أو يأكل منه بالمعروف علي ما فسرناه، أو يأخذه قرضاً علي نفسه، فان قيل: إذا أخذه قرضاً علي نفسه، أو أجرة المثل، فلا يکون أكل مال اليتيم، و إنما أكل مال نفسه. قلنا: ليس الامر علي ذلک، لأنه يکون أكل مال اليتيم، لكنه علي وجه التزم عوضه في ذمته، أو استحقه بالعمل في ماله، فلم يخرج بذلك من استحقاق الاسم بانه مال اليتيم، و لو سلّم ذلک، لجاز أن يکون المراد بذلك ضربا من التأكيد و بياناً، لأنه لا يکون أكل مال اليتيم إلا ظلماً. و نصب ظلماً علي المصدر، و تقديره: إن من أكل مال اليتيم فانه يظلمه ظلماً. و قوله: «إِنَّما يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِم ناراً» قيل في معناه وجهان:
أحدهما- ما قاله السدي من أن من أكل مال اليتيم ظلماً يبعث يوم القيامة و لهب النار يخرج من فيه، و من مسامعه، و من أذنيه و أنفه و عينيه، و يعرفه من رآه. بأكل مال اليتيم.
الثاني- أنه علي وجه المثل، من حيث أن فعل ذلک يصير إلي جهنم، فتمتلئ بالنار أجوافهم، عقابا علي ذلک الأكل منهم، کما قال الشاعر:
و ان ألذي أصبحتم تحلبونه دم غير أن اللون ليس باحمرا
يصف أقواماً أخذوا الإبل في الدية، يقول: فالذي تحلبون من ألبانها ليس لبناً، إنما هو دم القتيل.
و قوله: «وَ سَيَصلَونَ سَعِيراً» فالصلاة لزوم النار، للإحراق، أو التسخن، أو الإنضاج، يقال: صلي بالنار يصلي صلا بالقصر، قال العجاج:
و صاليات للصلا صلي[1]
و يقال الصلا بالكسر و المد، قال الفرزدق: