هذا إخبار عن الربيين الّذين ذكرهم في الآية الاولي بأنهم كانوا يقولون في أكثر أحوالهم «رَبَّنَا اغفِر لَنا ذُنُوبَنا» لأن من المعلوم أنهم قد كانوا يقولون أقوالا غير هذا، لكن لما کان هذا هو الأكثر لم يعتد بذلك. و قيل: معناه و ما کان قولهم حين قتل نبيهم إلا هذا القول انقطاعاً إلي اللّه و طلباً لمغفرته. و قوله:
«اغفِر لَنا ذُنُوبَنا» أي استرها علينا بترك عقابنا، و مجازاتنا عليها «وَ إِسرافَنا فِي أَمرِنا» فالإسراف هو مجاوزة المقدار ألذي تقتضيه الحكمة. و الإسراف مذموم، کما أن الإقتار مذموم، کما قال تعالي: «وَ لا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلي عُنُقِكَ وَ لا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ»[1] و کما قال «وَ الَّذِينَ إِذا أَنفَقُوا لَم يُسرِفُوا وَ لَم يَقتُرُوا وَ كانَ بَينَ ذلِكَ قَواماً»[2] و الإسراف، و الافراط بمعني، و ضدهما التقصير و التقتير. و قيل الإسراف مجاوزة الحق إلي الباطل بزيادة أو نقصان. و الأول أظهر. و أصل الإسراف مجاوزة الحد يقال: سرفت القوم إذا جاوزتهم، و أنت لا تعرف مكانهم و سرفت الشيء إذا نسيته لأنك جاوزته إلي غيره بالسهو عنه. و يقال: أصنع من سرفة، و هي دويبة صغيرة تنقب الشجر، و تبني فيه بيتاً.
إن قيل: كيف قوبل الذنوب و الإسراف في الامر! قلنا: قال الضحاك: هو بمنزلة اغفر لنا الصغير و الكبير من خطايانا.
و «قولهم» نصب بأنه خبر (کان) و الاسم (أن قالوا)، و انما اختير ذلک، لأن ما بعد الإيجاب معرفة، فهو أحق بأن يکون الاسم، كقول الشاعر:
و قد علم الأقوام ما کان داءها بثهلان إلا الخزيُ ممن يقودها[3]