و ‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ آل‌عمران‌ (3): آية 138]

هذا بَيان‌ٌ لِلنّاس‌ِ وَ هُدي‌ً وَ مَوعِظَةٌ لِلمُتَّقِين‌َ (138)

آية اجماعاً.

‌قال‌ الحسن‌ و قتادة: ‌قوله‌: «‌هذا‌» إشارة ‌إلي‌ القرآن‌، و وصفه‌ بأنه‌ بيان‌، لأنه‌ دلالة للناس‌، و حجة ‌لهم‌، و البيان‌ ‌هو‌ الدلالة. و ‌قال‌ ‌إبن‌ إسحاق‌ ‌هو‌ إشارة ‌إلي‌ ‌ما تقدم‌ ذكره‌ ‌في‌ ‌قوله‌: «قَد خَلَت‌ مِن‌ قَبلِكُم‌ سُنَن‌ٌ ....» ‌الآية‌ ‌ أي ‌ ‌هذا‌ ‌ألذي‌ عرفتكم‌ بيان‌ للناس‌، و ‌هو‌ اختيار البلخي‌، و الطبري‌. و الفرق‌ ‌بين‌ البيان‌، و الهدي‌-‌ ‌علي‌ ‌ما قاله‌ الرماني‌-‌ ‌أن‌ البيان‌ إظهار المعني‌ للنفس‌ كائنا ‌ما ‌کان‌. و الهدي‌: بيان‌ لطريق‌ الرشد، ليسلك‌ دون‌ طريق‌ الغي‌. و الموعظة ‌ما يلين‌ القلب‌ و يدعو ‌إلي‌ التمسك‌، ‌بما‌ ‌فيه‌ ‌من‌ الزجر ‌عن‌ القبيح‌، و الدعاء ‌إلي‌ الجميل‌. و ‌قيل‌ الموعظة: ‌هو‌ ‌ما يدعو[1] بالرغبة، و الرهبة ‌إلي‌ الحسنة بدلا ‌من‌ السيئة. و الهدي‌ المذكور ‌في‌ ‌الآية‌ يحتمل‌ معنيين‌:

أحدهما‌-‌ ‌أن‌ ‌يکون‌ عبارة ‌عن‌ اللطف‌ ‌ألذي‌ يدعو ‌إلي‌ فعل‌ الطاعة بدلا ‌من‌ المعصية، لأنه‌ بمنزلة الإرشاد.

و الآخر‌-‌ الدلالة ‌علي‌ طريق‌ الرشد. و إنما أضيف‌ ‌إلي‌ المتقين‌، و ‌ان‌ ‌کان‌ هدي‌ لجميع‌ المكلفين‌، لأنهم‌ المنتفعون‌ ‌به‌ دون‌ غيرهم‌. و ‌لا‌ يجوز ‌ان‌ يقال‌: القرآن‌ هدي‌ و موعظة للفاجرين‌ ‌إلا‌ بتفسير و بيان‌، لأن‌ ‌في‌[2] ‌ذلک‌ إيهاماً، لانتفاعهم‌ ‌به‌ فان‌ قيد بأنه‌ دلالة ‌لهم‌ وداع‌ ‌لهم‌ ‌إلي‌ فعل‌ الطاعة، و ذكر ‌ما يزيل‌ الإيهام‌ ‌کان‌ جائزاً. و ينبغي‌ ‌أن‌ يتبع‌ ‌في‌ ‌ذلک‌ ‌ما ورد ‌به‌ القرآن‌.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ آل‌عمران‌ (3): الآيات‌ 139 ‌الي‌ 140]

وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحزَنُوا وَ أَنتُم‌ُ الأَعلَون‌َ إِن‌ كُنتُم‌ مُؤمِنِين‌َ (139) إِن‌ يَمسَسكُم‌ قَرح‌ٌ فَقَد مَس‌َّ القَوم‌َ قَرح‌ٌ مِثلُه‌ُ وَ تِلك‌َ الأَيّام‌ُ نُداوِلُها بَين‌َ النّاس‌ِ وَ لِيَعلَم‌َ اللّه‌ُ الَّذِين‌َ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنكُم‌ شُهَداءَ وَ اللّه‌ُ لا يُحِب‌ُّ الظّالِمِين‌َ (140)