الثاني- أن تكون أو بمعني إلا أن، كأنه قال: (ليس لك من الأمر شيء) إلا أن يتوب اللّه عليهم أو يعذبهم فيكون أمرك تابعاً لأمر اللّه برضاك بتدبيره فيه قال امرؤ القيس:
فقلت له: لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا[1]
أراد إلا أن نموت أو حتي نموت.
وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الأَرضِ يَغفِرُ لِمَن يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)
آية بلا خلاف.
عموم قوله: وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الأَرضِ يقتضي أن له تعالي ملك ما في السماوات، و ما في الإرض، و أن له التصرف فيهما كيف شاء بلا دافع، و لا مانع، غير أنه لا بد من تخصيص هذا العموم من حيث أنه ينزه عن الصاحبة و الولد علي کل وجه. و أوجه ما قلناه. و انما ذكر لفظ (ما) لأنها أعم من (من) لأنها تتناول ما يعقل، و ما لا يعقل، لأنها تفيد الجنس و لو قال من في السماوات و من في الإرض لم يدخل فيه إلا العقلاء إلا أن يحمل علي التغليب و ذلک ليس بحقيقة. و قوله: «يَغفِرُ لِمَن يَشاءُ» دليل علي أن حسن العفو عن مستحق العذاب، و ان لم يتب لأنه لم يشترط فيه التوبة. و قوله: «وَ يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ» يعني ممن يستحق العذاب، لأن من لا يستحق العذاب لا يشأ عذابه، لأنه ظلم يتعالي اللّه عن ذلک و في ذلک دلالة علي جواز العفو بلا توبة، لأنه علق عذابه بمشيئته، فدل علي أنه لو لم يشأ، لكان له ذلک، و لا يلزم علي ما قلناه الشك في جواز غفران عقاب الكفار، لأن ذلک أخرجناه من العموم بدلالة إجماع الأمة علي أنه لا يغفر