قال إبن عباس، و قتادة، و إبن جريج سبب نزول هذه الآية أنه لما أسلم عبد اللّه بن سلام و جماعة معه قالت أحبار اليهود ما آمن بمحمد إلا أشرارنا، فأنزل اللّه تعالي «لَيسُوا سَواءً» إلي قوله: «وَ أُولئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ».
فان قيل لم ذكر مع سواء أحد الفريقين دون الآخر، و لا يجوز مثله أن يقول سواء علي قيامك حتي يقول أم قعودك قلنا عنه جوابان:
أحدهما- أنه محذوف لدلالة ما تقدم من الكلام عليه، کما قال أبو ذؤيب:
عصاني إليها القلب إني لأمرها مطيع فما أدري أرشد طلابها!
و لم يقل أم غي، لأن الكلام يدل عليه، لأنه کان يهواها فما يبالي أرشد أم غي طلابها. و قال آخر:
أراك فلا أدري أهم هممته و ذو الهم قدماً خاشع متضائل
و لم يقل أم غيره، لأن حاله في التغير ينبئ أن الهم غيره أم غيره مما يجري مجراه، و هذا قول الفراء، و ضعفه الزجاج، و قال، ليس بنا حاجة إلي تقدير محذوف، لأن ذكر أهل الكتاب قد جري في قوله: «يَكفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقتُلُونَ الأَنبِياءَ» فتبين أن فيهم غير المؤمنين، فلا يحتاج أن يقدر و أمة غير قائمة.
الثاني- أن يکون ليسوا سواء منهم الجواد، و الشجاع، فعلي القول الأول يکون رفع أمة علي معني الفعل، و تقديره لا يستوي أمة هادية و أمة ضالة. و علي القول الثاني يکون رفعها بالابتداء. و قال الطبري لا يجوز الاقتصار في سواء علي أحد الذكرين دون الآخر. و إنما يجوز في ما أدري و ما أبالي. قال الرماني: و هذا غلط، لأنه ذهب عليه الفرق بين الاقتصار و الحذف لأن الحذف لا بد فيه من خلف يقوم مقامه. و الاقتصار ليس كذلك، لأنه كالاقتصار علي أحد المفعولين