إن قيل إذا كانت التوبة من الذنب لا تصلح إلا بعد فعله، فلم قال: «مِن بَعدِ ذلِكَ»! قيل فائدته أنه يفيد معني تابوا منه، لأن توبتهم من غيره لا تنفع في التخلص منه، کما لا تنفع التوبة من الكبير في التخلص من الصغير، فأما من قال:
إن التوبة من معصية لا تصح مع الاقامة علي معصية أخري، فانه يقول ذلک علي وجه التأكيد، فان قيل: إذا كانت التوبة وحدها تسقط العقاب و تحصل الثواب فلم شرط معها الإصلاح! قيل الوجه في ذلک إزالة الإبهام لئلا يعتقد، أنه إذا حصل الايمان، و التوبة من الكفر لا يضر معه شيء من أفعال القبائح، كقوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُم أَجرٌ غَيرُ مَمنُونٍ»[1] فذكر مع الايمان عمل الصالحات، لازالة الإيهام بأن من کان مؤمناً في الحكم، لم يضره مع ذلک ما عمله من المعاصي. و قبول التوبة واجب، لأنها طاعة و استحقاق الثواب بها ثابت عقلا، فأما سقوط العقاب عندها، فإنما هو تفضل من اللّه، و لو لا أن السمع ورد بذلك، و إلا، فلا دلالة في العقل علي ذلک. و قوله: «فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» دخلت الفاء لشبهه بالجزاء، إذا کان الكلام قد تضمن معني إن تابوا «فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» أي يغفر لهم و ليست في موضع خبر الّذين، لأن الّذين في موضع نصب بالاستثناء من الجملة الأولي الّتي هي قوله: «أُولئِكَ جَزاؤُهُم أَنَّ عَلَيهِم لَعنَةَ اللّهِ ....» الآية، و ذكر المغفرة في الآية دليل علي أن إسقاط العقاب بالتوبة تفضل، لأنه لو کان واجباً لما استحق بذلك الإثم بأنه غفور، لأنه لا يقال هو غفور إلا فيما له المؤاخذة، فأما ما لا يجوز المؤاخذة به فلا يجوز تعليقه بالمغفرة.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعدَ إِيمانِهِم ثُمَّ ازدادُوا كُفراً لَن تُقبَلَ تَوبَتُهُم وَ أُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ (90)