الثاني- صواب علي تقدير آخر، و ان يکون اللام خلفاً من القسم، كافياً منه، فلا يحتاج إلي ذكره معه و من ذكره معه لم يجعله خلفاً منه، لأنه أضعف منه، و الخلف أقوي من الدال ألذي ليس بخلف، لأنه بمنزلة الأصل الموضوع للمعني يفهم به من غير واسطة. و من كسر اللام في قوله: «لما» يحتمل أمرين:
أحدهما- أن يکون علي التقديم و التأخير. و الثاني- بمعني أخذ اللّه ميثاقهم لذلك. و قال بعضهم القراءة بالكسر لا تجوز، لأنه ليس کل شيء أوتي الكتاب و هذا غلط من وجهين:
أحدهما- أنه أوتي الكتاب لعلمه به مهتدياً بما فيه، و ان لم ينزل عليه.
و الآخر- أنه يجوز ذلک علي التغليب بالذكر في الجملة، لأنه بمنزلة من أوتي الكتاب بما أوتي من الحكم و النبوة. فان قيل لم لا يجوز أن يکون (لما) آتيتكم من كتاب و حكمة، بمعني لتبلغن ما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم يحذف! قيل لأنه لا يجوز الحذف في الكلام من غير دليل ينبئ عن المراد. و من زعم أن الدليل علي حذف الفعل لام القسم، فقد غلط، لأنها لام الابتداء الّتي تدخل علي الأسماء، نحو «لَمَن تَبِعَكَ مِنهُم لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُم أَجمَعِينَ»[1].
و قيل في معني قوله: «وَ أَخَذتُم عَلي ذلِكُم إِصرِي» قولان:
أحدهما- و قبلتم علي ذلک عهدي. و الثاني- «وَ أَخَذتُم عَلي ذلِكُم إِصرِي» من المتبعين لكم کما يقال: أخذت بيعتي أي قبلتها، و أخذتها علي غيرك بمعني عقدتها علي غيرك. و الإصر العقد، و جمعه اصار و أصله العقد و منه المأصر، لأنه عقد يحبس به عن النفوذ إلا بإذن. و منه الأصر الثقل، لأنه عقد يثقل القيام به. و منه قولهم مالك اصرة تأصرني عليك أي عاطفة تعطفني عليك من عقد جوار