قرأ أهل المدينة، و عاصم، و يعقوب (و يعلمه) بالياء الباقون بالنون. فمن قرأ بالياء حمله علي (يخلق ما يشاء) و يعلمه. و من قرأ بالنون حمله علي قوله:
(نوحيه إليك). و النون أفخم في الاخبار، لأن الياء حكاية عن الملك.
و معني قوله: «وَ يُعَلِّمُهُ الكِتابَ» قال إبن جريج: الكتابة بيده. و قال أبو علي:
كتاب آخر غير التوراة، و الإنجيل نحو الزبور أو غيره. فان قيل: لم أفرد التوراة و الإنجيل بالذكر مع دخولهما في الحكمة! قيل: إنما أفردهما بالذكر تنبيهاً علي فضلهما مع جلالة موقعهما کما قال: «وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبرِيلَ وَ مِيكالَ»[1] و موضع يعلمه من الاعراب يحتمل أن يکون نصباً بالعطف علي وجيهاً. و يحتمل أن يکون لا موضع له من الاعراب، لأنه عطف علي جملة لا موضع لها، و هي قوله: «كَذلِكِ اللّهُ يَخلُقُ ما يَشاءُ». و قال بعضهم: هو عطف علي «نُوحِيهِ إِلَيكَ» قال الرماني:
هذا لا يجوز، لأنه يخرجه من معني البشارة به لمريم. و إنما هو محمول علي مشاكلته لا علي جهة العطف عليه. و عد أهل الكوفة التوراة و الإنجيل، و لم يعدوا رسولا إلي بني إسرائيل لتنكب الاستئناف بأن المفتوحة. و الاستئناف بذكر المنصوب كثير في الكلام. و أما أهل المدينة فإنما طلبوا تمام صفة المسيح، لأن تقديره و معلماً كذا و رسولا إلي كذا.
وَ رَسُولاً إِلي بَنِي إِسرائِيلَ أَنِّي قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ مِن رَبِّكُم أَنِّي أَخلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيراً بِإِذنِ اللّهِ وَ أُبرِئُ الأَكمَهَ وَ الأَبرَصَ وَ أُحيِ المَوتي بِإِذنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُكُم بِما تَأكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ (49)