مضي حقيقته. و إنما قدم ذكر السجود في الآية علي الركوع، لأن النية به التأخير و التقدير اركعي و اسجدي، لأن الواو لا توجب الترتيب، لأنها نظيرة التثنية إذا اتفقت الأسماء و الصفات. تقول جاءني زيد و عمرو، و لو جمعت بينهما في الخبر لقلت جاءني الزيدان. و قوله: (مع الراكعين) فيه قولان: أحدهما- أن معناه افعلي مثل فعلهم. الثاني- قال الجبائي: أي في صلاة الجماعة.
ذلِكَ مِن أَنباءِ الغَيبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَ ما كُنتَ لَدَيهِم إِذ يُلقُونَ أَقلامَهُم أَيُّهُم يَكفُلُ مَريَمَ وَ ما كُنتَ لَدَيهِم إِذ يَختَصِمُونَ (44)
آية.
ذلک إشارة إلي الاخبار عما تقدم من القصص. و فيه احتجاج علي المشركين، من حيث أنه جاء بما لا يعلم إلا من أربعة أوجه: إما مشاهدة الحال، أو قراءة الكتب، أو تعليم بعض العباد، أو بوحي من اللّه. و قد بطلت الأوجه الثلاثة للعلم بأنها لم تكن حاصلة للنبي (ص)، فصح أنه علي الوجه الرابع: بوحي من اللّه (تعالي). و الإيحاء: هو إلقاء المعني إلي صاحبه فقوله: «نُوحِيهِ إِلَيكَ» أي نلقي معناه اليك. و الإيحاء: الإرسال إلي الأنبياء تقول: أوحي اللّه إليه أي أرسل إليه ملكا. و الإيحاء الإلهام و منه قوله تعالي «وَ أَوحي رَبُّكَ إِلَي النَّحلِ»[1] أي ألهمها و قوله: «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوحي لَها»[2] معناه ألقي إليها معني ما أراد فيها. قال العجاج: