النزول‌:

و ‌قال‌ ‌إبن‌ عباس‌، و قتادة و ‌إبن‌ إسحاق‌: ‌إن‌ ‌هذه‌ ‌الآية‌ نزلت‌ ‌لما‌ هلكت‌ قريش‌ يوم بدر، فجمع‌ النبي‌ (ص‌) اليهود بسوق‌ قينقاع‌ فدعاهم‌ ‌إلي‌ الإسلام‌ و حذرهم‌ مثل‌ ‌ما نزل‌ بقريش‌ ‌من‌ الانتقام‌، فقالوا: لسنا كقريش‌ الاغمار ‌الّذين‌ ‌لا‌ يعرفون‌ القتال‌، لئن‌ حاربتنا لتعرفن‌ البأس‌. فانزل‌ اللّه‌ «قُل‌ لِلَّذِين‌َ كَفَرُوا سَتُغلَبُون‌َ وَ تُحشَرُون‌َ» ‌الآية‌.

المعني‌:

و معني‌ «وَ بِئس‌َ المِهادُ» ‌قال‌ مجاهد: بئس‌ ‌ما مهدوا، لأنفسهم‌. و ‌قال‌ الحسن‌:

معناه‌ بئس‌ القرار، و ‌قيل‌ بئس‌ الفراش‌ الممهد ‌لهم‌، و ‌قال‌ البلخي‌: ‌لا‌ يجوز الوعد، و الوعيد بغير شرط، لأن‌ ‌فيه‌ بأساً ‌من‌ الايمان‌ ‌أو‌ الكفر و ‌ذلک‌ بمنزلة الصد عنه‌.

و تأول‌ ‌الآية‌ ‌علي‌ حذف‌ الشرط، فكأنه‌ ‌قال‌: و بئس‌ المهاد لمن‌ مات‌ ‌علي‌ كفره‌ ‌غير‌ تائب‌ ‌منه‌. و ‌قال‌ الرماني‌: و ‌هذا‌ ‌لا‌ يصح‌ ‌من‌ قبل‌ ‌أن‌ السورة ‌قد‌ دلت‌ ‌علي‌ معني‌ الوعد ‌من‌ ‌غير‌ شرط يوجب‌ الشك‌، فلو ‌کان‌ ‌في‌ قطع‌ الوعيد بأس‌ بمنزلة الصد ‌عن‌ الايمان‌ لكان‌ ‌في‌ قطع‌ الوعد بأمان‌ ‌ما يوجب‌ الاتكال‌ ‌عليه‌ دون‌ ‌ما يلزم‌ ‌من‌ الاجتهاد. و ‌ألذي‌ يخرجه‌ ‌من‌ ‌ذلک‌ ‌أن‌ العقاب‌ ‌من‌ أجل‌ الكفر ‌کما‌ ‌أن‌ الثواب‌ ‌من‌ أجل‌ الايمان‌. و ‌هذا‌ ليس‌ بشي‌ء، لأن‌ للبلخي‌ ‌أن‌ يشرط الوعد بالثواب‌ بانتفاء ‌ما يبطله‌ ‌من‌ الكبائر، ‌کما‌ ‌أنه‌ شرط الوعيد بالعقاب‌ بانتفاء ‌ما يزيله‌ ‌من‌ التوبة، فقد سوي‌ ‌بين‌ الأمرين‌. و ‌قال‌ البلخي‌ و الجبائي‌: ‌قوله‌: «وَ بِئس‌َ المِهادُ» مجاز ‌کما‌ ‌قيل‌ للمرض‌: شر، و ‌إن‌ ‌کان‌ خيراً ‌من‌ جهة ‌أنه‌ حكمة، و صواب‌، فقيل‌ لجهنم‌ «بِئس‌َ المِهادُ» لعظيم‌ الآلام‌، لأن‌ أصل‌ نعم‌ و بئس‌: الحمد، و الذم‌ ‌إلا‌ ‌أنه‌ كثر استعماله‌ ‌في‌ المنافع‌، و المضار ‌حتي‌ سقط ‌عن‌ اسم‌ مجاز. و ‌إن‌ ‌کان‌ مغيراً ‌عن‌ أصله‌.

و ‌في‌ ‌الآية‌ دلالة ‌علي‌ صحة نبوة النبي‌ (ص‌) لأنها تضمنت‌ الخبر عما ‌يکون‌ ‌من‌