و موضع الّذين رفع لا يجوز غير ذلک عند جميع النحويين إلا المازني، فانه أجاز يا أيها الرجل اقبل، و العامل فيه ما يعمل في صفة المنادي- عند جميع النحويين- إلّا الأخفش، فانه يجعله صلة لأي و يرفعه بأنه خبر ابتداء محذوف، كأنه قيل:
يأمن هم الّذين آمنوا. إلا أنه لا يظهر المحذوف مع أي ، و إنما حمله علي ذلک لزوم البيان له، فقال: الصلة تلزم، و الصفة لا تلزم. قال الرماني و الوجه عندي أن تكون صفة بمنزلة الصلة في اللزوم، و إنما لزمت أي هاهنا في النداء، لان العرض بحرف التنبيه وقع في موضع التنبيه، فلزم، فلا يجوز أن تقول: نعم الّذين في الدار، لان نعم إنما تعمل في الجنس ألذي يكره إذا أضمر فسر بها.
وَ لا تَقُولُوا لِمَن يُقتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتٌ بَل أَحياءٌ وَ لكِن لا تَشعُرُونَ (154)
آية بلا خلاف.
فان قيل: هل الشهداء أحياء علي الحقيقة، أم معناه أنهم سيحيون و ليسوا أحياء!
قلنا: الصحيح أنهم أحياء الي أن تقوم الساعة، ثم يحييهم اللّه في الجنة، لا خلاف بين أهل العلم فيه إلا قولا شاذاً من بعض المتأخرين. و الأول قول الحسن، و مجاهد، و قتادة، و الجبائي، و إبن الأخشاد، و الرماني، و جميع المفسرين. و القول الثاني حكاه البلخي. يقال: ان المشركين كانوا يقولون: إن أصحاب محمّد (ص) يقتلون نفوسهم في الحرب لا لمعني، فأنزل اللّه تعالي الآية. و أعلمهم أنه ليس الأمر علي ما قالوه، و أنهم سيحيون يوم القيامة و يثابون، و لم يذكر ذلک غيره. و قيل: ليس هم أمواتاً بالضلالة بل هم أحياء بالطاعة، و الهدي، کما قال: «أَ وَ مَن كانَ مَيتاً فَأَحيَيناهُ»[1]