و أصل‌ الباب‌ العلوّ. و العظيم‌ معناه‌ عظيم‌ الشأن‌ بأنه‌ قادر، و ‌لا‌ يعجزه‌ شي‌ء، و عالم‌ ‌لا‌ يخفي‌ ‌عليه‌ شي‌ء، ‌فلا‌ نهاية لمقدوره‌ و معلومه‌، و ‌قال‌ قوم‌: العظيم‌ بمعني‌ المعظم‌ ‌کما‌ قالوا ‌في‌ الخمر العتيقة معتقة، و الأول‌ أقوي‌ لأن‌ ‌علي‌ ‌هذا‌ ‌کان‌ يجب‌ ألا يوصف‌ بانه‌ عظيم‌ فيما ‌لم‌ يزل‌ و ‌قد‌ علمنا خلافه‌.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ البقرة (2): آية 256]

لا إِكراه‌َ فِي‌ الدِّين‌ِ قَد تَبَيَّن‌َ الرُّشدُ مِن‌َ الغَي‌ِّ فَمَن‌ يَكفُر بِالطّاغُوت‌ِ وَ يُؤمِن‌ بِاللّه‌ِ فَقَدِ استَمسَك‌َ بِالعُروَةِ الوُثقي‌ ‌لا‌ انفِصام‌َ لَها وَ اللّه‌ُ سَمِيع‌ٌ عَلِيم‌ٌ (256)

آية واحدة.

المعني‌:

‌قيل‌ ‌في‌ معني‌ ‌قوله‌: «لا إِكراه‌َ فِي‌ الدِّين‌ِ» أربعة أقوال‌: أولها‌-‌ ‌قال‌ الحسن‌ و قتادة و الضحاك‌: إنها ‌في‌ أهل‌ الكتاب‌ خاصة ‌الّذين‌ يؤخذ منهم‌ الجزية.

الثاني‌-‌ ‌قال‌ السدي‌ و ‌إبن‌ زيد: إنها منسوخة بالآيات‌ ‌الّتي‌ أمر ‌فيها‌ بالحرب‌ نحو ‌قوله‌: «فَاقتُلُوا المُشرِكِين‌َ حَيث‌ُ وَجَدتُمُوهُم‌»[1] و ‌قوله‌: «فَإِذا لَقِيتُم‌ُ الَّذِين‌َ كَفَرُوا فَضَرب‌َ الرِّقاب‌ِ»[2]. الثالث‌-‌ ‌قال‌ ‌إبن‌ عباس‌ و سعيد ‌بن‌ جبير: إنها نزلت‌ ‌في‌ بعض‌ أبناء الأنصار و كانوا يهوداً فأريد إكراههم‌ ‌علي‌ الإسلام‌. الرابع‌-‌ ‌قيل‌ «لا إِكراه‌َ فِي‌ الدِّين‌ِ» ‌ أي ‌ ‌لا‌ تقولوا لمن‌ دخل‌ ‌فيه‌ ‌بعد‌ حرب‌ إنه‌ دخل‌ مكرها، لأنه‌ ‌إذا‌ رضي‌ ‌بعد‌ الحرب‌، و صح‌ إسلامه‌ فليس‌ بمكره‌، فان‌ ‌قيل‌ كيف‌ تقولون‌ «لا إِكراه‌َ فِي‌ الدِّين‌ِ» و ‌هم‌ يقتلون‌ ‌عليه‌؟ قلنا المراد بذلك‌ ‌لا‌ إكراه‌ فيما ‌هو‌ دين‌ ‌في‌ الحقيقة، لأن‌ ‌ذلک‌ ‌من‌ أفعال‌ القلوب‌ ‌إذا‌ فعل‌ لوجه‌ بوجوبه‌، فأما ‌ما يكره‌ ‌عليه‌ ‌من‌ إظهار الشهادتين‌، فليس‌ بدين‌، ‌کما‌ ‌أن‌ ‌من‌ أكره‌ ‌علي‌ كلمة الكفر ‌لم‌ يكن‌ كافراً.

و ‌قوله‌: «قَد تَبَيَّن‌َ الرُّشدُ مِن‌َ الغَي‌ِّ» معناه‌ ‌قد‌ ظهر بكثرة الحجج‌، و الآيات‌