و أكثر المفسرين: كانوا فرّوا من الطاعون ألذي وقع بأرضهم. و قال الضحاك:
فرّوا من الجهاد.
و معني الآية: الحضّ علي الجهاد، بأنه لا ينفع- من الموت- فرار، و من أمر اللّه، لأنه يجوز أن يعجله علي جهة العقاب، کما عجله لهؤلاء، للاعتبار. و في الآية دليل علي من أنكر عذاب القبر و الرجعة معاً، لأن الأحياء في القبر، و في الرجعة مثل إحياء هؤلاء الّذين أحياهم للعبرة.
و قوله: «فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا» قيل في معناه قولان:
أحدهما- أن معناه أماتهم اللّه، کما يقال: قالت السماء، فهطلت، و قلت برأسي كذا، و قلت بيدي، و ذلک لما کان القول في الأكثر استفتاحاً للفعل، كالقول ألذي هو تسمية، و ما جري مجراها مما کان يستفتح به الفعل، صار معني قالت السماء، فهطلت أي استفتحت الهطلان، و صار بمنزلة استفتاح الافعال فلذلك صارت أماتتهم بمنزلة استفتاح الأفعال.
الثاني- أن يکون أحياهم عند قول سمعته الملائكة بضرب من العبرة. و يجوز- عندنا- أن يكونوا أحيوا في غير زمان نبي. و قالت المعتزلة: لا يجوز أن يکون ذلک إلا في زمان نبي، لأن المعجزة لا يجوز ظهورها إلا للدلالة علي صدق نبي، تكون له آية. و قد بينا فساد ذلک في غير موضع، و أنه تجوز المعجزات علي دين من الصادقين: من الأئمة، و الأولياء و إن لم يكونوا أنبياء. و روي عن إبن عباس: أنه مرّ بهم نبيّ، فدعا اللّه تعالي، فأحياهم.
و قوله: «إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضلٍ عَلَي النّاسِ» إنما ذكر، و اتصل بما تقدم، لأنه لما ذكر النعمة عليهم بما آتاهم من الآية العظيمة في أنفسهم ليلزموا سبيل الهدي، و يتجنبوا طرق الردي ذكر عند ذلک ماله علي النّاس من الانعام مع ما هم من الكفران.
وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ اعلَمُوا أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)
آية بلا خلاف.