لان المعرفة أيضاً قد يتميز بها الشيء علي طريق الجملة، فلا فرق بينهما. فان قيل لم قال:
«يَعرِفُونَهُ كَما يَعرِفُونَ أَبناءَهُم» إنهم أبناءهم في الحقيقة، و يعرفون أن محمداً (ص) هو النبي المبشر به في الحقيقة! قلنا التشبيه وقع بين المعرفة بالابن في الحكم: و هي معرفة تميزه بها من غيره، و بين المعرفة بالنبي المبشر به في الحقيقة، فوقع التشبيه بين معرفتين. إحداهما أظهر من الاخري.
الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمتَرِينَ (147)
آية بلا خلاف.
«الحق» مرتفع بأنه خبر ابتداء محذوف و تقدير ذاك الحق من ربّك أو هو الحق من ربك. و مثله مررت برجل كريم زيد: اي هو زيد، و لو نصب کان جائزاً في العربية علي تقدير اعلم الحق من ربك.
و قوله: «فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمتَرِينَ» معناه من الشاكين ذهب اليه إبن زيد، و الربيع، و غيرهما من المفسرين. و الامتراء الاستخراج. و قيل: الاستدرار. فكأنه قال: فلا تكن من الشاكين فيما يلزمك استخراج الحق فيه. قال الأعشي:
تدرّ علي اسؤق الممتري ن ركضاً إذا ما السراب ارجحن[1]
يعني الشاكين في درورها، لطول سيرها. و قيل: المستخرجين ما عندها. قال صاحب العين: المري مسحك ضرع الناقة. تمر بها بيدك لكي تسكن، للحلب، و الريح تمري السحاب مرياً. و المرية من ذلک. و المرية الشك. و منه الامتراء،