حسناً. فان قيل: كيف قال بمثل ما اعتدي عليكم، و الأول جور، و الثاني عدل!
قلنا، لأنه مثله في الجنس و في مقدار الاستحقاق، لأنه ضرر، کما أن الأول ضرر، و هو علي مقدار ما يوجبه الحق في کل جرم.
و قيل إنّ عدا، و اعتدي لغتان بمعني واحد، و مثله قرب و اقترب، و جلب و اجتلب. و قال قوم: في افتعل مبالغة ليس في فعل.
و معني قوله: «وَ اعلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ المُتَّقِينَ» يعني بالنصرة لهم، كأنه قال:
«أَنَّ اللّهَ مَعَ المُتَّقِينَ» بالنصرة أو إن نصرة اللّه معهم. و أصل (مع) المصاحبة في المكان أو الزمان.
وَ أَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَي التَّهلُكَةِ وَ أَحسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ (195)
آية بلا خلاف.
أمر اللّه تعالي جميع المكلفين المتمكنين من الإنفاق في سبيل اللّه: أن ينفقوا في سبيله، و سبيل اللّه: هو کل طريق شرعه اللّه تعالي لعباده، و يدخل فيه الجهاد، و الحج، و عمارة القناطر، و المساجد، و معاونة المساكين، و الأيتام، و غير ذلک، و الإنفاق: هو إخراج الشيء عن ملك مالكه إلي ملك غيره، لأنه لو أخرجه الي هلاك لم يسم إنفاقاً.
و قوله تعالي: «وَ لا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَي التَّهلُكَةِ» معناه لا تطرحوا أنفسكم في الهلاك، بأن تفعلوا ما يؤدي إليه. و حقيقة الإلقاء تصير الشيء الي جهة السفل.
و إنما يقال: ألقي عليه مسألة مجازاً، کما يقال: طرح عليه مسألة.
و الباء في قوله بأيديكم يحتمل وجهين: أحدهما- أن تكون زائدة كقولك