و وجه التذكرة بذلك أن نجاة من فيها و تغريق من سواهم يقتضي أنه من مدبر مختار و في امر لم تجر به عادة، فيلتبس انه من فعل الطبيعة. ثم بين تعالي الغرض بما فعله فقال (لِنَجعَلَها) يعني السفينة (لَكُم تَذكِرَةً) تتذكرون بها أنعم اللّه و تشكرونه عليها و تتفكرون فيها «وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» أي و تحفظها اذن حافظة، يقال: وعيت العلم، و أوعيت المتاع في الوعاء، و يقال: وعي قلبه العلم يعيه وعياً، و قال الشاعر
إذا لم تكن واعياً حافظاً فجمعك للكتب لا ينفع
فمعني «واعية» ممسكة ما يحصل فيها. و قال إبن عباس: حافظة. و قيل قابلة سامعة. و
قيل: إنه لما نزلت هذه الآية قال النبي صلي اللّه عليه و آله (اللهم اجعلها اذن علي عليه السلام) و رواه الطبري بإسناده عن مكحول. ثم قال علي عليه السلام (فما سمعت من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله شيئاً فنسيته)
و روي الحلواني عن إبن كثير «و تعيها» بسكون العين جعله مثل فخذ و فخذ. الباقون بكسرها، لأنه مضارع وعي يعي. و أصله يوعي فحذفت الواو لوقوعها بين فتحة و كسرة، و معني الآية تحفظها کل أذن ليكون عظة لمن يأتي بعدهم.
روي الطبري بإسناده عن عكرمة عن بريدة قال: سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول لعلي عليه السلام ( يا علي ان اللّه أمرني ان أدنيك و لا أقصيك و أن أعلمك)
و قوله «فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفخَةٌ واحِدَةٌ» فهي النفخة الأولي الّتي يصعق لها من في السموات و من في الإرض «وَ حُمِلَتِ الأَرضُ وَ الجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً» قال: إبن زيد: ضرب بعضها علي بعض حتي صارتا غباراً. و قيل: معناه بسطتا بسطة واحدة، و منه الدكان، و يقال: اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره.
و قيل: المعني حملت الإرض و الجبال فصك بعضها علي بعض حتي تندك، و إنما قيل:
فدكتا لأنه جعل الجبال جملة و الإرض جملة. و مثله «أَنَّ السَّماواتِ وَ الأَرضَ كانَتا