الكائن بين الأكبر و الأصغر. و المراد هاهنا بين الأكبر و الأصغر في الخروج عن القصد (أَ لَم أَقُل لَكُم) علي وجه التهجين لهم أما قلت لكم (لَو لا تُسَبِّحُونَ) أي هلا تستثنون، و التسبيح التنزيه للّه عما لا يجوز عليه من صفة، و هو التنزيه عن کل صفة ذم و نقص، فلذلك جاز أن يسمي الاستثناء بأن يشاء اللّه تسبيحاً. و قيل معناه لو لا تصلون.
ثم حكي انهم (قالُوا سُبحانَ رَبِّنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ) و معناه إنهم اعترفوا أن اللّه لم يظلمهم و انهم ظلموا أنفسهم في عزمهم علي حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام من غير استثناء، فحرموا قطعها و الانتفاع بها.
ثم قال (فَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلي بَعضٍ يَتَلاوَمُونَ) أي يلوم بعضهم بعضاً و يذم بعضهم بعضاً. ثم (قالُوا يا وَيلَنا) و الويل غلظ المكروه الشاق علي النفس، و الويس دونه، و الويح وسط بينهما، و إنما نودي بالويل بياناً عن حال الشدة، كأنه يقول يا ويل تعال فانه من أحيانك (إِنّا كُنّا طاغِينَ) أي علونا في الظلم و تجاوزنا الحد فيه، فالطغيان العلو في الظلم و الداعي اليه طلب الارتفاع بغير استحقاق بالقهر و الاعتصاب. و قيل: الطاغي المتجاوز للحد في الفساد. و قال عمرو بن عبيد: يجوز أن يکون ذلک منهم توبة و إيماناً، و يجوز أن يکون ذلک علي حد ما يقول الكافر إذا وقع في الشدة. ثم قالوا (عَسي رَبُّنا أَن يُبدِلَنا خَيراً مِنها) أي لما تابوا و رجعوا إلي اللّه قالوا لعل اللّه تعالي يخلف علينا و يولينا خيراً من الجنة الّتي هلكت (إِنّا إِلي رَبِّنا راغِبُونَ) أي نرغب اليه و نسأله و نتوب اليه مما فعلناه. فالتبديل تثبيت شيء مكان غيره مما ينافيه، بدّله تبديلا فهو مبدل. و مثله التغير إلا أن التبديل لا يکون إلا في شيئين و التغير قد يکون للشيء الواحد.
و قرئ بالتشديد و التخفيف، فالتخفيف من الابدال، و التشديد من التبديل