و قيل في معناه قولان:
أحدهما- باي فرقكم المفتون بما يجري مجري الجنون.
و الثاني- ان يکون معني «بِأَيِّكُمُ المَفتُونُ» کما يقال: ليس له معقول أي عقل و تقديره ستعلم و يعلمون بمن منكم الجنون، و قيل: معني الباء (في) و كأنه قال في أيكم الجنون المفتون المبتلي بتخييل الرأي كالمجنون، و ذلک کما يبتلي بشدة الهوي المجنون. فيقال: فتن فلان بفلانة، و علي هذا المعني قال إبن عباس: بأيكم المجنون و قال قتادة: معناه أيكم اولي بالشيطان جعل الباء زائدة کما قال الراجز:
نحن بنو جعدة اصحاب الفلج نضرب بالسيف و نرجو بالفرج[1]
و معناه و نرجو الفرج. و قال مجاهد: معناه أيكم المفتون كأنه قال في أيكم المفتون. ثم قال «إِنَّ رَبَّكَ يا محمّد هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ» ألذي هو سبيل الحق أي بمن عدل عنها و جار عن السلوك فيها «وَ هُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ» أي بمن اهتدي اليها و عمل بموجبها. ثم نهي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال له «فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ» بتوحيد اللّه و الجاحدين لنبوتك و لا توافق ما يريدونه. و قوله «وَدُّوا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنُونَ» قال إبن عباس: معناه ودوا لو تكفر فيكفرون، و هو قول الضحاك، و في رواية أخري عن إبن عباس: إن معناه ود هؤلاء الكفار لو تلين في دينك، فيلينون في دينهم، فشبه التليين في الدين بتليين الدهن. و قيل: معناه ودوا لو تركن إلي عبادة الأوثان فيمالونك. و الادهان الجريان في ظاهر الحال علي المقاربة مع إضمار العداوة. و هو مثل النفاق. و رفع «فَيُدهِنُونَ» بالعطف علي قوله «لَو تُدهِنُ» و لم يجعله جواب التمني.
ثم قال له صلي اللّه عليه و آله «وَ لا تُطِع» يا محمّد «كُلَّ حَلّافٍ» أي من يقسم كثيراً