و ترهيبي إن عصيتموني إذا صرتم إلي عذاب النار. ثم قال مقسماً (وَ لَقَد كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم) أي جحد من قبل هؤلاء الكفار من الأمم وحدانيتي و أشركوا بي غيري في العبادة و كذبوا رسلي (فأهلكتهم) و استأصلتهم (فَكَيفَ كانَ نَكِيرِ) أي أ لم اهلكهم بضروب النقمات و المثلات.
ثم قال منبهاً لهم علي توحيده (أَ وَ لَم يَرَوا إِلَي الطَّيرِ فَوقَهُم صافّاتٍ) أي مصطفاة فوق رؤسهم في الجو باسطات أجنحتهم (وَ يَقبِضنَ) أي يضربن بها.
أي من الطير ما يضرب بجناحيه فيدف، و منه الصفيف و الدفيف (ما يُمسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحمنُ) أي ليس يمنعهن من السقوط إلي الإرض إلا الرحمن ألذي خلق لهم الآلات الّتي يصفون بها و يدفون، و ما خلق فيها من القدرة علي ذلک، و لو لا ذلک لسقطت إلي الإرض. و قيل معني ما يمسكهن إلا الرحمن بتوطئة الهواء لها، و لو لا ذلک لسقطت، و في ذلک أكبر دلالة، و أوضح عبرة بأن من سخر الهواء هذا التسخير هو علي کل شيء قدير. و الصف وضع الأشياء المتوالية علي خط مستقيم، و القبض جمع الشيء من حال البسط. و الإمساك اللزوم المانع من السقوط.
و قوله (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ بَصِيرٌ) اخبار منه تعالي انه عالم بجميع الأشياء لا يخفي عليه شيء منها (بصير) بما للخلق من النفع و الضر. ثم قال (أَمَّن هذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُم يَنصُرُكُم مِن دُونِ الرَّحمنِ) أي من لكم معاشر الكفار يدفع عنكم عذاب اللّه إذا حل بكم (إِنِ الكافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ) معناه ليس الكافرون باللّه العابدون للأوثان إلا في غرور أي يتوهمون أن ذلک أنفع لهم و الأمر علي خلاف ذلک من المكروه.
ثم قال (أَمَّن هذَا الَّذِي يَرزُقُكُم إِن أَمسَكَ) اللّه (رزقه) بأن يزيله و يمنعه منكم، فينزل عليكم رزقه (بَل لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَ نُفُورٍ) فاللجاج تقحم الامر