ثم قال (وَ أَمّا إِذا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ) أي اختبره بعد ذلک بأن يضيق عليه رزقه قدر البلغة و الأصل القدر، و هو كون الشيء علي مقدار، و منه تقدير الشيء طلب قدره من مقدار غيره (فَيَقُولُ) العبد عند ذلک (رَبِّي أَهانَنِ) فقال اللّه تعالي رداً لتوهم من ظن أن الإكرام بالغني و الاهانة بالفقر بأن قال (كلا) ليس الامر علي ما توهمه. و إنما الإكرام في الحقيقة بالطاعة، و الاهانة بالمعصية، و قوله (كَلّا) معناه ليس الأمر علي ما ظن هذا الإنسان الكافر ألذي لا يؤمن باللّه و اليوم الآخر- ذكره قتادة- ثم بين ما يستحق به الهوان بقوله (بَل لا تُكرِمُونَ اليَتِيمَ وَ لا تَحَاضُّونَ عَلي طَعامِ المِسكِينِ) أي الهوان لهذا، لا لما توهمتم، تقول: حضضته بمعني حثثته و (تَحَاضُّونَ) بمعني تحضون فاعلته و فعلته إلا أن المفاعلة بين اثنين فأكثر. و قال الفراء: لا تحاضون بمعني لا تحافظون، و أصله تتحاضون، فحذف إحدي التائين.
و قوله (وَ تَأكُلُونَ التُّراثَ أَكلًا لَمًّا) أي جمعاً، يقال لممت ما علي الخوان ألمه لماً إذا أكلته اجمع، و التراث الميراث. و قيل: هو من يأكل نصيبه و نصيب صاحبه. و قوله (وَ تُحِبُّونَ المالَ حُبًّا جَمًّا) قال إبن عباس و مجاهد و إبن زيد: معناه كثيراً شديداً يقال: جم الماء في الحوض إذا أجتمع و كثر قال زهير:
فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم[1]
و قوله (كَلّا إِذا دُكَّتِ الأَرضُ دَكًّا دَكًّا) معناه التهديد و الوعيد الشديد أي حقاً إذا دكت الإرض بأن جعلت مثل الدكة مستوية لا خلل فيها و لا تلول، کما قال (لا تَري فِيها عِوَجاً وَ لا أَمتاً)[2] و هو يوم القيامة، فالدك حط المرتفع بالبسط، يقال اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره و ناقة دكاء إذا كانت كذلك، و منه الدكان لاستوائه فكذلك