الأنهار (ذلِكَ الفَوزُ الكَبِيرُ) فالفوز النجاة بالنفع الخالص، و أصله النجاة، و قيل للمهلكة مفازة تفاؤلا كأنه قيل: منجاة، و فاز فلان بكذا أي خلص له نفعه، يفوز فوزاً. و لا يقال إلا في تعظيم النفع ألذي صار له، و إنما ذكر الكبير- هاهنا- لان النعيم لهؤلاء العاملين كبير بالاضافة إلي نعيم من لا عمل له ممن يدخل الجنة، لما فيه من الإجلال و الإكرام و المدح و الإعظام. و قيل: الفوز الحظ الواقع من الخير.
ثم قال متوعداً و متهدداً للكفار و العصاة (إِنَّ بَطشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) يا محمّد و البطش الأخذ بالعنف، بطش به يبطش بطشاً و يبطش ايضاً، فهو باطش، و إذا وصف بالشدة فقد تضاعف مكروهه و تزايد إيلامه. و قوله (إِنَّهُ هُوَ يُبدِئُ وَ يُعِيدُ) قال إبن عباس: معناه إنه يبدأ العذاب و يعيده لاقتضاء ما قبله ذلک. و قال الحسن و الضحاك و إبن زيد: يبدأ الخلق و يعيده لان الأظهر في وصفه تعالي بأنه المبدئ المعيد العموم في کل مخلوق (وَ هُوَ الغَفُورُ) يعني الستار علي خلقه معاصيهم (الوَدُودُ) أي واد لهم و محب لمنافع خلقه (ذُو العَرشِ المَجِيدُ) و معناه صاحب العرش، العظيم المجيد و قال إبن عباس: معناه الكريم. و قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً المجيد بالجر جعلوه نعتاً للعرش. و معناه ذو العرش الرفيع. الباقون بالرفع جعلوه نعتاً للغفور أي هو الغفور الودود المجيد ذو العرش، قال المبرد: يجوز أن يکون نعتاً لقوله إِنَّ بَطشَ رَبِّكَ ....
المجيد فيكون قد فصل بينهما، و فيه بعد لأنه قال «لَشَدِيدٌ» و قال «إِنَّهُ هُوَ يُبدِئُ وَ يُعِيدُ، وَ هُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ ذُو العَرشِ» و فصل بهذا كله، يقال: مجدت الإبل تمجد مجوداً إذا رعيتها فرعت و شبعت. و لا فعل لك، او أمجدتها أمجدها إمجاداً إذا اشبعتها من العلف و ملأت بطونها و لا فعل لها في ذلک، و في المثل في کل شجر نار و استمجد المرح و الغفار. و معناه كثر ناره لأنه ليس في الشجر أكثر ناراً من الغفار.
و قوله تعالي (فَعّالٌ لِما يُرِيدُ) معناه ما يشاؤه و يريده من أفعال نفسه يفعله