قال الشاعر:
فأصبحت المذاهب قد أذاعت به الاعصار بعد الوابلينا
يريد مطراً بعد مطر غير محدود العدد، و كذلك تفخيم شأن العدد ألذي ليس علي الواحد، نحو ثلاثين إلي تسعين، و جرت العشرون عليه. و قيل: عليون أعلي الأمكنة. و قال الحسن: معني في عليين في السماء. و قال الجبائي: معناه في جملة الملائكة العليين، فلذلك جمع بالواو و النون.
ثم قال تعالي علي وجه التعظيم لشأن هذه المنازل و تفخيم أمرها (وَ ما أَدراكَ ما عِلِّيُّونَ) لان تفصيلها لا يمكن العلم بها إلا بالمشاهدة دون علم الجملة. ثم قال (كِتابٌ مَرقُومٌ) أي الكتاب ألذي ثبت فيه طاعتهم (مرقوم) أي مكتوب فيه جميع طاعاتهم بما تقرَّ به أعينهم و توجب سرورهم بضد الكتاب ألذي للفجار، لان فيه ما يسؤهم و يسخن أعينهم (يَشهَدُهُ المُقَرَّبُونَ) أي يشهد هذا الكتاب الملائكة المقربون أي يشاهدون جوائزهم و يرونها. و معني المقربون- هاهنا- هم الّذين قربوا إلي كرامة اللّه في أجل المراتب.
ثم اخبر تعالي (إِنَّ الأَبرارَ) و هم أهل البر الّذين فعلوه لوجهه خالصاً من وجوه القبح، فالبر النفع ألذي يستحق به الشكر و الحمد يقال: برّ فلان بوالده فهو بار به و برّ به، و جمعه أبرار (لَفِي نَعِيمٍ) أي و يحصلون في ملاذ و أنواع من النفع (عَلَي الأَرائِكِ يَنظُرُونَ) قال إبن عباس: الأرائك الاسرة. و قال مجاهد: هي من اللؤلؤ و الياقوت، واحدها أريكة، و هو سرير في حجلة ينظرون إلي ما أعطاهم اللّه من الملك و الكرامة، و الحجلة كالقبة علي الاسرة. ثم قال (تَعرِفُ فِي وُجُوهِهِم نَضرَةَ النَّعِيمِ) أي تتبين في وجوههم إشراق النعمة و السرور بها.
و قوله (يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ) فالرحيق الخمر الصافية الخالصة من کل غش.