«إِنَّ رَبَّكَ يَعلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدني مِن ثُلُثَيِ اللَّيلِ وَ نِصفَهُ وَ ثُلُثَهُ»[1] و السجود وضع الجبهة علي الإرض علي وجه الخضوع و أصله الانخفاض کما قال الشاعر:
تري الاكم فيها سجداً للحوافر[2]
و السجود من العبادة الّتي أكد اللّه الأمر بها لما فيها من صلاح العباد. ثم قال «وَ سَبِّحهُ لَيلًا طَوِيلًا» أي نزهه عما لا يليق به في الليل الطويل. ثم قال «إِنَّ هؤُلاءِ» يعني الكفار و الّذين يجحدون نبوتك «يُحِبُّونَ العاجِلَةَ» أي يؤثرون اللذات و المنافع العاجلة في دار الدنيا من ارتكاب شهواتهم. و العاجلة المقدمة قبل الكرة الثانية «وَ يَذَرُونَ» أي و يتركون (وَراءَهُم) أي خلفهم «يَوماً ثَقِيلًا» أي هو ثقيل علي اهل النار أمره، و إن خف علي اهل الجنة للبشارة الّتي لهم فيه. و الثقيل ما فيه اعتمادات لازمة إلي جهة السفل علي جهة يشق حمله. و قد يکون ثقيلا علي انسان خفيفاً علي غيره بحسب قدرته، فيوم القيامة مشبه بهذا. و قيل: معني (وراءهم) أي خلف ظهورهم العمل للاخرة. و قيل (وراءهم) أمامهم الآخرة، و كلاهما محتمل، و الاول أظهر.
ثم قال تعالي (نَحنُ خَلَقناهُم) أي نحن الّذين اخترعنا هؤلاء الخلائق (وَ شَدَدنا أَسرَهُم) قال إبن عباس الأسر الخلق، و هو من قولهم: أسر هذا الرجل فأحسن اسره أي خلق فأحسن خلقه أي شد بعضه إلي بعض أحسن الشد، و قال ابو هريرة:
الأسر المفاصل. و قال إبن زيد: الأسر القوة. و قولهم: خذ بأسره أي بشده قبل ان يحل، ثم كثر حتي جاء بمعني خذ جميعه قال الأخطل: