كالذي يخالطه الانجاس من أنهار الدنيا. و إن قل ذلک و کان مغموراً. و قيل انه ليس كشراب الدنيا ألذي قد نجسه الفساد ألذي فيه، و هو السكر الداعي إلي القبائح، فقد طهره اللّه في الجنة من ذلک لتخلص به اللذة، کما قال «مِن خَمرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ»[1] و قيل: شراباً طهوراً لا ينقلب إلي البول بل يفيض من أعراضهم كرشح المسك ذكره ابراهيم التيمي.
و قوله «إِنَّ هذا كانَ لَكُم جَزاءً وَ كانَ سَعيُكُم مَشكُوراً» اخبار من اللّه تعالي انه يقال للمؤمنين إذا فعل بهم ما تقدم من انواع اللذات و فنون الثواب: إن هذا کان لكم جزاء علي طاعاتكم و اجتناب معاصيكم في دار التكليف، و إن سعيكم في مرضات اللّه و قيامكم بما أمركم اللّه به کان مشكوراً أي جوزيتم عليه، فكأنه شكر لكم فعلكم.
ثم اخبر تعالي عن نفسه فقال «إِنّا نَحنُ نَزَّلنا عَلَيكَ» يا محمّد «القُرآنَ تَنزِيلًا» فيه شرف و تعظيم لك. ثم أمره بالصبر علي ما أمره من تحمل أعباء الرسالة فقال «فَاصبِر» يا محمّد «لِحُكمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِع مِنهُم» يعني من قومه الّذين بعث اليهم «آثِماً أَو كَفُوراً» و هو نهي عن الجمع و التفريق أي لا تطع آثماً و لا كفوراً، کما يقول القائل: لا تفعل معصية صغيرة او كبيرة أي لا تفعلهما و لا واحدة منهما.
ثم أمره بان يذكر اللّه بما يستحقه من الصفات و الأسماء الحسني، فقال «وَ اذكُرِ اسمَ رَبِّكَ بُكرَةً وَ أَصِيلًا» و البكرة الغداة و الأصيل العشي، و هو اصل الليل و جمعه آصال.
و قوله «وَ مِنَ اللَّيلِ فَاسجُد» دخلت (من) للتبعيض بمعني فاسجد له في بعض الليل، لأنه لم يأمره بقيام جميع الليل، کما قال