و قال قوم: ذكر الله جميع فرائضه ثم قال (وَ مَن يَفعَل ذلِكَ) أي من شغله ماله او ولده عن ذكر الله (فَأُولئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ) الّذين خسروا ثواب الله و حصل لهم عقابه. ثم أمرهم بأن ينفقوا مما رزقهم الله فيما تجب عليهم النفقة فيه من الزكاة و الجهاد و الحج و الكفارات و غير ذلک من الواجبات. و في ذلک دليل علي ان الحرام ليس برزق من الله، لان الله لا يأمر بالمعصية بالإنفاق، و لأنه ينهي عن التصرف فيه بلا خلاف (مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَو لا أَخَّرتَنِي إِلي أَجَلٍ قَرِيبٍ) اي هلا. و قيل: معناه إنه يتمني أن يرد الي دار الدنيا، و انما جاز التمني ب (لو لا)، لأن أصلها التقدير، و التمني تقدير الخير للاستمتاع (فاصدق) و معناه فأتصدق، و أنفق في سبيل الله (وَ أَكُن مِنَ الصّالِحِينَ) أي من الّذين يعملون الأفعال الحسنة. و في ذلک دليل علي ان المقدرة قبل الفعل، لأنهم تمنوا ان يؤخروا ليعملوا ما كانوا قادرين عليه متمكنين منه. و دليل علي ان الله تعالي لا يخلق الكفر و النفاق فيهم، لأنه لو فعل ذلک کان لا معني لتمني التأخير و الرد بل الواجب أن يطلبوا منه تعالي ان يكف عنهم الكفر و يخلق فيهم الايمان و قدرته بدل الكفر و قدرته.
و قوله (فاصدق) انتصب بأنه جواب التمني بالفاء، و کل جواب بالفاء نصب، إلا جواب الجزاء، فانه رفع علي الاستئناف، لان الفاء في الجزاء و صلة الي الجواب بالجملة من الابتداء و الخبر. و انما نصب الجواب بالفاء للإيذان بأن الثاني يجب بالأول بدلالة الفاء في الجواب، و ليس يحتاج الي ذلک في الجزاء من قبل ان حرف الجزاء يكفي في الدلالة. و من قرأ (و أكن) فجزم عطف علي موضع الفاء، لأنها في موضع جزم. و من قرأ (و أكون) عطف علي لفظ (فأصدق).
ثم قال (وَ لَن يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفساً إِذا جاءَ أَجَلُها) يعني الأجل المطلق ألذي