من الألطاف الّتي يؤتيها المؤمنين، فيكون ذلک عقوبة لهم و استصلاحاً. و نظير ذلک قول القائل لأخيه، إذا هجره أخوه متجنياً عليه، إذا استعتبه فلم يراجعه:
سأمد لك في الهجران مداً يريد سأتركك و ما صرت اليه تركا ينبهك علي قبح فعلك لا أنه يريد بذلك أن يهجره أخوه، و لكن علي وجه الغضب و الاستصلاح و التنبيه
أُولئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدي فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم وَ ما كانُوا مُهتَدِينَ (16)
ضم جميع القراء الواو من «اشتَرَوُا الضَّلالَةَ» و روي السوخردي عن زيد إبن إسماعيل بتخفيف ضمة الواو، و كذلك نظائره، نحو: (لنبلون)، «فَتَمَنَّوُا المَوتَ». و روي عن يحيي بن يعمر في الشواذ أنه كسرها، شبهها بواو: (لو) في قوله: «لَوِ استَطَعنا لَخَرَجنا»[1] و ضم يحيي بن وثاب واو (لووا) و فيما ذكرناه شبهها بواو الجمع، و الصحيح ما عليه القراء، لأن الواو في الآية و نظائرها واو الجمع فحركت بالحركة الّتي من جنسها لالتقاء الساكنين.
و هذه الآية الاشارة بها الي من تقدم ذكره من المنافقين، و قال إبن عباس اشتروا الكفر بالايمان، و قال قتادة: استحبوا الضلالة علي الهدي، و قال إبن مسعود:
أخذوا الضلالة و تركوا الهدي، و قال مجاهد آمنوا ثم كفروا. و هذه الأقوال متقاربة المعاني. فان قيل كيف اشتروا هؤلاء القوم الضلالة بالهدي، و انما كانوا منافقين لم يتقدم نفاقهم ايمان! فيقال فيهم باعوا ما كانوا عليه بضلالتهم الّتي استبدلوها منه، و المفهوم من الشراء اعتياض شيء يبذل شيء مكانه عوضاً منه، و هؤلاء ما كانوا قط علي الهدي.