و اللّه تعالي لا يجوز عليه حقيقة الاستهزاء لأنها السخرية علي ما بيناه و معناها من اللّه هو الجزاء عليها و قد يسمي الشيء باسم جزائه، کما يسمي الجزاء باسم ما يستحق به کما قال تعالي: «وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُها»[1] و قال: «وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ»[2] و قال: «وَ إِن عاقَبتُم فَعاقِبُوا»[3] و الأول ليس بعقوبة و العرب تقول: الجزاء بالجزاء. و الأول ليس بجزاء (و البيت الاول شاهد بذلك) و قيل إن استهزاءهم لما رجع عليهم جاز أن يقول عقيب ذلک: «اللّهُ يَستَهزِئُ بِهِم» يراد به ان استهزاءهم لم يضر سواهم و انه (دبر)[4] عليهم و اهلكهم. يقول القائل: أراد فلان أن يخدعني فخدعته: أي دبر علي امراً فرجع ضرره عليه.
و حكي عن بعض من تقدم أنه قال إذا تخادع لك انسان ليخدعك فقد خدعته و قيل ايضاً: إن الاستهزاء من الله: الاملاء ألذي يظنونه إغفالا و قيل: إنه لما کان ما أظهره من اجراء حكم الإسلام عليهم في الدنيا بخلاف ما أجراه عليهم في الآخرة من العقاب و كانوا فيه علي اغترار به کان كالاستهزاء و روي في الاخبار أنه يفتح لهم باب جهنم، فيظنون أنهم يخرجون منها، فيزدحمون للخروج، فإذا انتهوا الي الباب، ردتهم الملائكة حتي يرجعوا، فهذا نوع من العقاب، و کان الاستهزاء، کما قال اللّه تعالي: «كُلَّما أَرادُوا أَن يَخرُجُوا مِنها مِن غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها»[5] و قوله «يَمُدُّهُم» حكي عن إبن عباس و إبن مسعود أنهما قالا: معناه يملي لهم بأن يطوّل أعمارهم، و قال مجاهد: يزيدهم و قال بعض النحويين يمدهم کما يقولون نلعب الكعاب: أي بالكعاب. و حكي أن مد و أمدَّ لغتان، و قيل مددت له و أمددت له يقال مد البحر فهو ماد، و أمد الجرح فهو ممد قال الجرمي: ما کان من الشر فهو