و منه ثاب اليه عقله، أي رجع اليه بعد عزوبه. و قوله «وَ أَمناً» فالامن مصدر قولك أمن يأمن أمنا. و انما جعله أمنا بان حكم ان من عاذ به و التجأ لا يخاف علي نفسه ما دام فيه بما جعله في نفوس العرب من تعظيمه فكان من فيه آمنا علي ماله و دمه و يتخطف النّاس من حوله کما قال: «أَ وَ لَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم»[1] و لعظم حرمته ان من جني جناية و التجأ اليه لا يقام عليه الحد حتي يخرج لكن يضيق عليه في المطعم و المشرب، و البيع و الشراء، حتي يخرج منه، فيقام عليه الحد. فان أحدث فيه ما يوجب الحد أقيم عليه فيه، لأنه هتك حرمة الحرم. و لان اللّه تعالي جعل الأشهر الحرم لا يحل فيها القتال، و القتل و کل ذلک بسبب البيت الحرام، فهو آمن بهذه الوجوه.
و قوله: «وَ اتَّخِذُوا مِن مَقامِ إِبراهِيمَ» اكثر القراء علي لفظ الامر. إلا إبن عامر و نافع فإنهما قرأا علي لفظ الخبر من فعل ماض و يحتمل ان يکون اللفظ معطوفا علي قوله: «اذكُرُوا» كأنه قال يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي، و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلي.
و قال الربيع بن انس: من الكلمات الّتي ابتلي ابراهيم ربه قوله: «وَ اتَّخِذُوا مِن مَقامِ إِبراهِيمَ مُصَلًّي» و كأنه قال: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً» و قال: «اتَّخِذُوا مِن مَقامِ إِبراهِيمَ مُصَلًّي» و قيل: انه معطوف علي «وَ إِذ جَعَلنَا البَيتَ» لان معناه و اذكروا إذا جعلنا البيت و اتخذوا و قيل: انه معطوف علي معني «جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ» لأن فيه معني ثوبوا اليه و اتخذوا. و ظاهر قوله: و اتخذوا انه عام لجميع المكلفين إلا من خصه الدليل و عليه اكثر المفسرين. و قال ابو علي