الثالث- انه مقدمة لما بعده، لأنه تعالي أراد وعظهم ذكرهم قبل ذلک بالنعم عليهم، لأنه استدعاء الي قبول الوعظ لهم[1]. و قيل: فيه وجه رابع.
و هو انه لما تباعد بين الكلامين حسن التنبيه و التذكير.
و موضع (الّتي) نصب بالعطف علي نعمتي
وَ اتَّقُوا يَوماً لا تَجزِي نَفسٌ عَن نَفسٍ شَيئاً وَ لا يُقبَلُ مِنها عَدلٌ وَ لا تَنفَعُها شَفاعَةٌ وَ لا هُم يُنصَرُونَ (123)
آية بلا خلاف.
و مثل هذه الآية ايضاً تقدم. و بينا ما فيها، فلا معني للتكرار. و بينا ان العدل هو الفدية. و قيل هو المثل. و يقال هذا عدله، اي مثله و العدل، هو الحمل و بينا قول من يقول: إن الشفاعة لا تكون إلا لمرتكبي الكبائر: إذا ماتوا مصرين. فان قلنا ظاهر الآية متروك بالإجماع، لأنه لا خلاف ان ها هنا شفاعة نافعة و الآية تقتضي نفيها، و ان خصوا بأنها لا تنفع المصرين، و انما ينفع التائبين! قلنا:
لنا ان نخصها بالكافرين دون فساق[2] المسلمين. و اما قوله: «لا يشفعون» الا لمن ارتضي فنتكلم عليه إذا انتهينا اليه. و من قال: إنه ليس يعني انه يشفع لها شافع فلا تنفع شفاعته، لكنه يريد لا تأتي بمن يشفع لها. کما قال الشاعر:
علي لا حب لا يهتدي بمناره
و إنما أراد به لا منار هناك فيهتدي به لا يضرنا، لأنا لا نقول: إن هناك شفاعة تحصل و لا تنفع بل نقول: إن الشفاعة إذا حصلت من النبي، و غيره فإنها تنفع لا محالة. و كذلك عند المخالف، و ان قلنا: انها تنفع في إسقاط المضار و قالوا: هم في زيادة المنافع غير ان اتفقنا[3] علي انها تحصل لا محالة و لسنا ممن ينفي حصول الشفاعة أصلا.