لان التمني بمعني السؤال لا يعرف في اللغة. فان قيل: من اينکه انهم ما تمنوه بقلوبهم عند من قال: انه معني في القلب! قلنا: لو تمنوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم حرصاً منهم علي تكذيبه في إخباره، و جهداً في إطفاء أمره. و هذه القصة شبيهة بقصة المباهلة، و ان النبي (ص) لما دعا النصاري الي المباهلة امتنعوا لقلة ثقتهم بما هم عليه، و خوفهم من صدق النبي (ص).
و معني (خالصة): صافية. يقال خلص لي هذا الامر: اي صار لي وحدي، وصفا لي يخلص خلوصاً و خالصة. و الخالصة: مصدر كالعاقبة يقال للرجل هذا خلصاني: اي خالصتي- من دون اصحابي.
وَ لَن يَتَمَنَّوهُ أَبَداً بِما قَدَّمَت أَيدِيهِم وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ (95)
آية بلا خلاف.
اخبر اللّه تعالي عن هؤلاء الّذين قيل لهم: «فَتَمَنَّوُا المَوتَ إِن كُنتُم صادِقِينَ» بأنهم لا يتمنون ذلک ابداً. و قد بينا ان في ذلک دلالة علي صدق النبي (ص) من حيث تضمنت انهم لا يتمنون ذلک في المستقبل. و کان کما قال.
و قوله: «ابداً» نصب علي الظرف: اي لم يتمنوه ابداً طول عمرهم. كقول القائل: لا أكلمك ابداً،. و انما يريد ما عشت.
و قوله: «بِما قَدَّمَت أَيدِيهِم» معناه بالذي قدمت أيديهم و يحتمل ان يکون المراد بتقدمة أيديهم: فتكون (ما) مع ما بعدها بمنزلة المصدر.
و قوله: «وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ» انما خص الظالمين بذلك- و ان کان عالماً بغيرهم لأن الغرض بذلك الزجر، كأنه قال: عليم بمجازاة الظالمين. کما يقول القائل لغيره، مهدداً له: انا عالم بك بصير بما تعمله. و قيل: انه عليم بأنهم لا يتمنونه ابداً حرصاً علي الحياة، لان كثيراً منهم يعلم انه مبطل: و هم المعاندون منهم الّذين يكتمون الحق و هم يعلمون.