و قوله: «قالُوا سَمِعنا وَ عَصَينا» كأن الكلام خرج مخرج الخبر عن الغائب بعد أن کان الابتداء بالخطاب، لما تقدّم ذكره من ابتداء الكلام، إذ کان حكاية.
و العرب تخاطب، ثم تعود بعد ذلک الي الخبر عن الغائب، ثم تخاطب، لان قوله:
«وَ إِذ أَخَذنا مِيثاقَكُم» بمعني قلنا لكم، فأجبتمونا، و قوله: (سمعنا) إخبار من اللّه تعالي عن اليهود الّذين أخذنا ميثاقهم ان يعملوا بما في التوراة، و ان يطيعوا اللّه بما يسمعون منها انهم قالوا حين قيل لهم ذلک: سمعنا قولك، و عصينا أمرك و يحتمل ان يکون ما قالوه لكن فعلوا ما يدل علي ذلک، فقام الفعل مقام القول. کما قال الشاعر:
امتلأ الحوض و قال قطني مهلا رويداً قد ملأت بطني[1]
و قوله: «وَ أُشرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجلَ بِكُفرِهِم» فيه وجوه:
أحدهما- ما قال قتادة و ابو العالية: و اشربوا في قلوبهم حب العجل. يقال أشرب قلبه حبّ كذا و كذا قال زهير:
فصحوت عنها بعد حبّ داخل و الحبّ يشربه فؤادك داء[2]
و قالت اعرابية:
باهلي من عادي و نفسي فداؤه به هام قلبي منذ حين و لا يدري
هوي اشربته النفس ايام جهلها و لحّ عليه القلب في سالف الدهر
و قال السدي: لما رجع موسي الي قومه أخذ العجل ألذي وجدهم عاكفين عليه، فذبحه ثم حرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه، ثم قال اشربوا فشربوا، فمن کان يحبه خرج علي شاربه الذّهب. و الاول عليه اكثر محصلي المفسرين و هو الصحيح، لان الماء لا يقال فيه: أشرب منه فلان في قلبه، و انما يقال ذلک: في حب الشيء علي ما بيناه، و لكن يترك ذكر الحب اكتفاء بفهم السامع، لمعني الكلام، إذ کان معلوماً ان العجل لا يشربه القلب