ثم قال آخر:
و ما شيخوني غير اني إبن غالب و اني من الاثرين عند الزغايف
واحدهم زغيف: و هو التابع. و کل موضوع حسن ان يوضع فيه مكان إلا (لكن) فاعلم انه مكان استثناء منقطع. و لو قيل ها هنا و منهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن يتمنون لكان صحيحاً.
و الاماني واحدها امنية مثقل و من خفف الياء قال، لأن الجمع يکون علي غير واحده بنقصان أو زيادة. و الاماني كلهم يخففونها لكثرة الاستعمال، و كذلك الاضاحي. و اولي التأويلات قول إبن عباس و مجاهد: من ان الأميين الّذين وصفهم اللّه بما وصفهم به في هذه الآية، و انهم لا يفقهون من الكتاب ألذي انزل اليه علي موسي شيئاً لكنهم متخرصون الكذب. و يقولون: الباطل. و التمني في الموضوع تخلق الكذب و تخرصه. يقال منه تمنيت إذا افتعلته و تخلقته. و منه ما روي عن بعض الصحابة انه قال: ما تعنيت و لا تمنيت أي ما تخرصت الباطل، و لا تخلقت الكذب و الافك، و يقوي ذلک قوله في آخر الآية: (وَ إِن هُم إِلّا يَظُنُّونَ) فبين أنهم يتمنون ما يتمنون من الكذب ظناً لا يقيناً، و لو کان المعني انهم يتلونه لما كانوا ظانين و كذلك لو كانوا يتمنونه، لأن ألذي يتلوه إذا تدبر علمه، و لا يقال فيمن يقرأ كتاباً لم يتدبره، و تركه انه ظان لما يتلوه إلا ان يکون شاكا فيما يتلوه و لا يدري أحق هو ام باطل، و لم يكن القوم الّذين عاصروا النبي (ص) من اليهود شاكين في التوراة انها من عند الله، و كذلك التمني. لا يجوز ان يقال: هو ظان بتمنيه، لأن التمني من المتمني إذا وجد لا يقال فيه شاك فيما هو عالم به، لأنه ينافي العلم. و المتمني في حال وجود تمنيه لا يجوز ان يقال هو يظن تمنيه.
و قوله: (وَ إِن هُم إِلّا يَظُنُّونَ) قال جميع المفسرين معناه يشكّون. و ألذي أقوله ان المراد بذلك نفي العلم عنهم، و قد ينتفي العلم تارة بالشك و تارة بالظن. و اما في الحقيقة فالظن غير الشك، غير ان المعني متفق عليه ها هنا.