قلنا: إذا کان القوم كلفوا ان يقتل بعضهم بعضا و کل واحد منهم يقصد قتل غيره و يجوز ان يبقي بعده فيكون القتل لطفاً له فيما بعد، و لو کان بمقدار زمان يفعل فيه واجبا واحدا: و يمتنع فيه من قبيح. و ذلک کما نقول في عبادتنا في قتال المشركين. فان اللّه تعالي تعبدنا ان نقاتل حتي نقتل و نقتل و مدح علي ذلک، فلذلك روي اهل السير ان الّذين عبدوا العجل تعبدوا ان يقاتلوا من لم يعبد و يصبروا علي ذلک حتي يقتل بعضهم بعضا. و کان القتل شهادة لمن قتل، و توبة لمن بقي. و انما كانت تكون شبهة، لو أمروا بان يقتلوا نفوسهم بأيديهم. و لو صح ذلک لكان لا يمتنع بان يكونوا أمروا بان يفعلوا بنفوسهم الجراح الّتي تفضي الي الموت- و ان لم يزل معها العقل فينا في التكليف-.
و أما علي القول الآخر و هو انهم أمروا بالاستسلام و القتل و الصبر عليه فلا مسألة لأنهم أمروا بقتل نفوسهم. و علي هذا يکون قتلهم حسناً، لأنه لو کان قبيحاً لما جاز ان يؤمروا بالاستسلام. و كذلك نقول: لا يجوز ان يتعبد نبي او امام بان يستسلم للقتل مع قدرته علي الدفع عن نفسه، فلا يدفعه لان في ذلک استسلاما للقبيح مع القدرة علي الدفع منه، و ذلک لا يجوز و انما يقع قتل الأنبياء و الائمة علي وجه الظلم، و ارتفاع التمكن من الدفع مع الحرص علي الدفع. غير انه لا يمتنع ان يتعبد بالصبر علي الدفاع. و تحمل المشقة في ذلک- و ان قتله غيره ظلما و القتل- و ان کان قبيحا بحكم العقل-، فهو ما يجوز تغيره بان يصير حسنا، لأنه جار مجري سائر الآلام. و ليس يجري ذلک مجري الجهل و الكذب ألذي ليس يصير قط حسناً و وجه الحسن في القتل انه لطف علي ما قلناه، و کما يجوز من اللّه ان يميت الحي، كذلك يجوز ان يأمرنا باماتته و يعوضه علي ما يدخل عليه من الآلام و يکون فيه لطف علي ما قدمناه.
و قوله: «ذلِكُم» اشارة الي التوبة مع القتل لأنفسهم علي ما أمرهم اللّه تعالي به بدلالة قوله. «فَتُوبُوا إِلي بارِئِكُم فَاقتُلُوا أَنفُسَكُم» فقوله: «توبوا» دال علي التوبة، فكأنها مذكورة.