و قوله: «وَ أَعلَمُ ما تُبدُونَ وَ ما كُنتُم تَكتُمُونَ» قيل في معناه أقوال:
أحدها- انه يعلم سرهم و علانيتهم و ذكر ذلک تنبيهاً لهم علي ما يجبلهم عليه من الاستدلال، لأن الأصول الاول لم يستدل بها. إنما تذكر علي وجه التنبيه يستخرج بها غيرها، فيستدل بعلم الغيب انه خلق عباده- علي ما خلقهم عليه- للاستصلاح و ما توجبه الحكمة.
و الثاني- ما يسرون بمعني ما أضمره إبليس من المعصية و المخالفة. و ما يعلنون: قولهم: «أَ تَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها وَ يَسفِكُ الدِّماءَ». قال الرماني: و هذا الوجه غلط، لأن إبليس ليس من الملائكة، و لأن القول علي العموم لا يجوز أن يصرف الي الخصوص بغير دلالة. و هذا الوجه اختاره الطبري. و قال: هو بمنزلة قولهم: قتل الجيش و هزموا. و انما قتل البعض. قال الرماني: إنما يقال ذلک إذا حل قتل الواحد محل قتل الجميع: مثل قتل الرئيس او من يقوم مقامه. و لا يقال أيضاً إلا و الدلالة عليه ظاهرة و ليس كذلك في الآية. و قد روي روايات في هذا المعني و الوجه في هذا أن إبليس لما دخل معهم في الأمر بالسجود، جاز أن يستثني من جملتهم و الثالث- قيل: ان اللّه تعالي لما خلق آدم، مرت به الملائكة قبل أن ينفخ فيه الروح، و لم تكن رأت مثله قبل، فقالت: لن يخلق اللّه خلقاً إلا كنا أكرم منه و أفضل عنده فزعم أن هذا ألذي أخفوه في نفوسهم و ان ألذي أبدوه قولهم: «أَ تَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها» روي ذلک عن الحسن و الوجه الأول أقوي، لأنه أعم، و يدخل فيه هذا الوجه و لا دلالة يقطع بها علي تخصيص الآية فان قيل: ما وجه ذكره تعالي لهم الاسرار من علم الغيب قلنا علي وجه الجواب فيما سألوا عنه من خلق من يفسد و يسفك الدماء و ذلک علي وجه التعريض بالجواب دون التصريح، لأنه لو صرح به، لقال: خلقت من يفسد و يسفك الدماء لما اعلم في ذلک من المصلحة لجملة عبادي فيما كلفتهم إياه و أمرتهم به فدل في الاحالة في الجواب علي العلم بباطن الأمور و ظاهرها أنه خلقهم لأجل علمه بالمصلحة في ذلک