نام کتاب : تفسير التبيان نویسنده : الشيخ الطوسي جلد : 1 صفحه : 133
فعلي هذا الوجه قال قوم: إنما أخبروا بذلك عن ظنهم و توهمهم، لأنهم رأوا الجن من قبلهم قد أفسدوا في الإرض و سفكوا الدماء فتصوروا أنه إن استخلف غيرهم، كانوا مثلهم، فقال تعالي منكراً لذلك: «إِنِّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ» و هذا قول قتادة و إبن عباس و إبن مسعود. و قال آخرون: إنهم قالوه يقينا لأن اللّه کان أخبرهم انه يستخلف في الإرض من يفسد فيها و يسفك الدماء. فأجابوه بعد علمهم بذلك بأن قالوا: «أَ تَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها وَ يَسفِكُ الدِّماءَ» و انما قالوه استعظاماً لفعلهم أي كيف يفسدون فيها و يسفكون الدماء، و قد أنعمت عليهم و استخلفتهم فيها فقال: «إِنِّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ» و قال قوم: إنهم قالوا ذلک متعجبين من استخلافه لهم أي كيف يستخلفهم و قد علم انهم «يُفسِدُ فِيها وَ يَسفِكُ الدِّماءَ»! فقال: «إِنِّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ».
و السفك: صب الدماء خاصة دون غيره من الماء، و جميع المائعات. و السفح مثله لأنه مستعمل في جميع المائعات علي وجه التضييع، و لذلك قالوا في الزنا انه سفاح لتضييع مائه فيه.
و الملائكة المذكورون في الآية. قال قوم: هم جميع الملائكة. و قال آخرون- و هو المروي عن إبن عباس و الضحاك- إنه خطاب لمن اسكنه من الملائكة الإرض بعد الجان، و قبل خلق آدم، و هم الّذين أجلوا الجان عن الإرض. و قال قتادة في قوله: «أَ تَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها وَ يَسفِكُ الدِّماءَ» و قد علمت الملائكة من علم اللّه أنه لا شيء عند اللّه أكبر من سفك الدماء و الإفساد في الإرض قال اللّه تعالي:
«إِنِّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ» من أنه سيكون من الخليفة رسل و أنبياء، و قوم صالحون و ساكنون الجنة. و أقوي هذه الوجوه قول من قال: إن الملائكة إنما قالت:
«أَ تَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها» علي وجه التعجب من هذا التدبير، لا إنكاراً له و لكن علي وجه التألم و التوجع و الاغتمام و الاستعلام لوجه التدبير فيه، فقال:
«إِنِّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ» من وجه المصلحة في خلقهم، و ما يکون منهم من الخير و الرشد و العلم، و حسن التدبير و الحفظ، و الطاعة ما لا تعلمون. فان قيل: الملائكة
نام کتاب : تفسير التبيان نویسنده : الشيخ الطوسي جلد : 1 صفحه : 133