في ذلک خلق الإرض قبل السماء غير أنه لم يدحها. فلما خلق السماء دحاها بعد ذلک و دحوها: بسطها، و مدها و منه ادحية لنعام، سميت بذلك، لأنها تبسطها لتبيض فيها. و يجوز أن لا يکون معني (ثم) و (بعد) في هذه الآيات الترتب في الأوقات و التقدم و التأخر فيها، انما هو علي جهة تعداد النعم و الاذكار لها. کما يقول القائل لصاحبه: أليس قد أعطيتك، ثم حملتك، ثم رفعت في منزلتك، ثم بعد ذلک كله خلطتك بنفسي و فعلت بك و فعلت. و ربما يکون بعض ألذي ذكره في اللفظ متقدما، کان متأخرا، لأن المراد لم يكن الاخبار عن اوقات الفعل، و انما المراد الذكر و التنبيه عليها. فان قيل أي نسبة بين قوله: «ثُمَّ استَوي إِلَي السَّماءِ» و بين قوله: «وَ هُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ» و کان يجب ان يقول: (و هو علي کل شيء قدير) قيل انما جاز ذلک، لأن اللّه لما وصف نفسه بما يدل علي القدرة و الاستيلاء وصل ذلک بما يدل علي العلم، إذ بهما يصح وقوع الفعل علي وجه الأحكام، و الإتقان.
و ايضاً أراد أن يبين انه عالم بما يؤول اليه حاله، و حال المنعم به عليه، فيستحق بذلك النعمة. و تلخيص معني الآية ان اللّه تعالي هو ألذي خلق لكم الإرض و ما فيها من الجبال و المياه و الأشجار، و ما قدر فيها من الأقوات، ثم قضي خلق السماء بعد خلقه الإرض. و معني استوي أي عمد لها و قصد الي خلقها، و سواها سبع سماوات فبناهن و ركبهن كذلك و نظير ذلک قوله: «أَ إِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرضَ فِي يَومَينِ وَ تَجعَلُونَ لَهُ أَنداداً ذلِكَ رَبُّ العالَمِينَ. وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِن فَوقِها وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقواتَها فِي أَربَعَةِ أَيّامٍ»[1] يعني يومين بعد اليومين الأولين حتي صار بذلك اربعة ايام ثم استوي الي السماء. فمعني قوله: «خَلَقَ لَكُم ما فِي الأَرضِ جَمِيعاً» هو ألذي بينه بقوله: «وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِن فَوقِها .. الآية» و جعل ذكره لذلك في الآية الأولي تأكيد الحجة علي عباده لئلا يكفروا به، و لأن يؤمنوا به و يشكروه. و قوله: «كَيفَ تَكفُرُونَ» يدل انه تعالي ما أراد الكفر