إن سجود الملائكة كان لله ، وإنما كان
آدم قبلة لهم ، كما يقال : صلى للقبلة أي إليها. وقد أمرهم الله بالتوجه إلى آدم
في سجودهم تكريما له وتعظيما لشأنه.
ويرده : أنه تأويل ينافيه ظاهر الايات
والروايات ، بل ينافيه صريح الاية المباركة. فإن إبليس إنما أبى عن السجود بادعاء
أنه أشرف من آدم ، فلو كان السجود لله ، وكان آدم قبلة له لما كان لقوله :
« أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ١٧ : ٦١ ».
معنى لجواز أن يكون الساجد أشرف مما
يستقبله.
الرأي الثالث :
إن السجود لادم حيث كان بأمر من الله
تعالى فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له.
وبيان ذلك : أن السجود هو الغاية القصوى
للتذلل والخضوع ، ولذلك قد خصه الله بنفسه ، ولم يرخص عباده أن يسجدوا لغيره ، وإن
لم يكن السجود بعنوان العبودية من الساجد ، والربوبية للمسجود له. غير أن السجود
لغير الله إذا كان بأمر من الله كان في الحقيقة عبادة له وتقربا إليه ، لانه
امتثال لامره ، وانقياد لحكمه ، وإن كان في الصورة تذللا للمخلوق. ومن أجل ذلك يصح
عقاب المتمرد عن هذا الامر ، ولا يسمع اعتذاره بأنه لا يتذلل للمخلوق ، ولا يخضع
لغير الامر [١].
وهذا هو الوجه الصحيح : فإن العبد يجب
أن لا يرى لنفسه استقلالا في
[١] انظر التعليقة
رقم (٢١) بشأن تأويل آية السجود من قبل بعض أصحاب الكشف ـ في قسم التعليقات.