الذي يستحيل عليه
الاستكمال. وفعله إنما هو إحسان محض يرجع نفعه إلى المخلوقين. وأما الفعل الحسن
الصادر من غيره فهو وإن كان إحسانا إلى أحد في بعض الاحيان ، إلا أنه إحسان إلى
نفسه أولا وبالذات ، وبه يدرك كماله :
فالاحسان المحض إنما هو فعل الله تعالى
لا غير فهو المستحق للحمد دون غيره وإلى ذلك أشير بجملة : « الرحمن الرحيم
».
ثم إن الثناء على الفعل الجميل قد يكون
ناشئا عن إدراك الحامد حسن ذات الفاعل وصفاته من دون نظر إلى إنعامه ، أو الرغبة
فيه ، أو الرهبة منه. وقد يكون ناشئا عن النظر إلى أحد هذه الامور الثلاثة ، فقد
أشير إلى المنشأ الاول بجملة : الحمد لله فالحامد يحمده تعالى بما أنه مستحق للحمد
في ذاته ، وبما أنه مستجمع لجميع صفات الكمال منزه عن جميع جهات النقص. وأشير إلى
المنشأ الثاني بجملة : رب العالمين فانه المنعم على عباده بالخلق والايجاد ، ثم
بالتربية والتكميل. وأشير إلى المنشأ الثالث بجملة : (الرحمن الرحيم).
فان صفة الرحمة تستدعي الرغبة في نعمائه
تعالى وطلب الخير منه. وأشير إلى المنشأ الرابع بقوله : مالك يوم الدين ، فان من
تنتهي إليه الامور ويكون إليه المنقلب جدير بأن ترهب سطوته ، وتحذر مخالفته. وقد
يكون الوجه هو بيان أن يوم الدين هو يوم ظهور العدل والفضل الالهيين ، وكلاهما
جميل لا بد من حمده تعالى لاجله ، فكما أن أفعاله في الدنيا من الخلق والتربية
والاحسان كلها أفعال جميلة يستحق عليها الحمد فكذلك أفعاله في الاخرة من العفو
والغفران وإثابة المطيعين ، وعقاب العاصين كلها أفعال جميلة يستوجب الحمد بها.
ومما بيناه يتضح أن جملة : الرحمن
الرحيم ليس تكرارا أتي بها للتأكيد ـ كما زعمه بعض المفسرين ـ بل هي لبيان منشأ
اختصاص الحمد به تعالى فلا يغني عنه ذكرها أولا في مقام التيمن والتبرك ، وهو
ظاهر.