إن هذه الروايات لو صحت ، وأمكن
الاستدلال بها على التحريف من جهة النقص ، لكان اللازم على المستدل أن يقول
بالتحريف من جهة الزيادة في القرآن أيضا ، لان كيفية الجمع المذكورة تستلزم ذلك ، ولا
يمكن له أن يعتذر عن ذلك بأن حدالاعجاز في بلاغة القرآن يمنع من الزيادة عليه ، فلا
تقاس الزيادة على النقيصة ، وذلك لان الاعجاز في بلاغة القرآن وإن كان يمنع عن
الاتيان بمثل سورة من سوره ، ولكنه لا يمنع من الزيادة عليه بكلمة أو بكلمتين ، بل
ولا بآية كاملة ، ولا سيما إذ اكانت قصيرة ، ولولا هذا الاحتمال لم تكن حاجة إلى
شهادة شاهدين ، كما في روايا ت الجمع المتقدمة ، فإن الآية التي يأتي بها الرجل
تثبت نفسها أنها من القرآن أو من غيره. وإذن فلا مناص للقائل بالتحريف من القول
بالزيادة أيضا وهو خلاف إجماع المسلمين.
وخلاصة ما تقدم ، أن إسناد جمع القرآن
إلى الخلفاء أمر موهوم ، مخالف للكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل ، فلا يمكن
القائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه ، ولو سلمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في
أيام خلافته ، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة
مكذوبة ، وأن جمع القرآن كان مستندا إلى التواتر بين المسلمين ، غاية الامر أن
الجامع قد دون في المصحف ما كان محفوظا في الصدور على نحو التواتر.
نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في
زمانه ، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على
قراءة إمام واحد ، وأحرق