فكانوا يأخذونها يوم الأحد، ويقولون: ما اصطدنا يوم السبت، إنما اصطدنا في الأحد، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعموا بالنساء وغيرهن لاتساع [1] أيديهم به. وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، وأنكر عليهم الباقون، كما قص الله تعالى (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) [2] الآية. وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد [3] بأسه حذروهم، فأجابوهم عن وعظهم (لم تعظون قوما الله مهلكهم) بذنوبهم هلاك الاصطلام (أو معذبهم عذابا شديدا). فأجابوا القائلين لهم هذا: (معذرة إلى ربكم) [هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم] إذ كلفنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم، وكراهتنا لفعلهم. قالوا: (ولعلهم يتقون) ونعظهم أيضا لعلهم تنجع [4] فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها. قال الله عز وجل: (فلما عتوا) حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر (عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) [5] مبعدين عن الخير، مقصين [6]. قال فلما نظر العشرة الآلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم، ولا يحفلون [7] بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم
[1] اتسع الرجل: صار ذا سعة وغنى. [2] الأعراف: 163. [3] " شدائد " الأصل. والشدائد: - جمع شدة -: ما يحل بالانسان من مكاره الدهر. [4] نجع فيه الخطاب والوعظ: عمل فيه وأثر. [5] الأعراف: 166. [6] " مغضبين " أ. " مقصرين " البرهان: 1. أقصى فلانا عن الشئ: أبعده. [7] أي لا يبالون. " يخافون " أ، والبرهان: 2.